سعيد الدحية الزهراني
الإستراتيجية التي اعتمدها الديوان الأميري في قطر ترتكز على فهم ثقافي سالف وقديم ولم يعد صالحاً للراهن السياسي المرتبط بالسياق الحضاري المتولد عبر المنظومة الاتصالية الإنسانية الجديدة..
قطر عمدت على مدى سنوات من (الوهم) إلى استثمار العامل الثقافي العابر للدول لدى الشعوب المتمثل في مفهوم الجماعة.. وهو العامل الأبرز تأثيراً إبان المرحلة الثقافية السابقة التي تدور رحاها حول صوت الجماعة الواحدة أو العنصرية الواحدة.. معتمدة على إلهاب المشاعر الوحدوية وتعزيز حضور الخطابات الشعبوية مثل الأمة والقومية ونحوهما..
غاب عن قطر - وما أكثر ما يغيب عن رُشْد الصغار - التحولات الثقافية التي تمر بها الشعوب والأمم والتكوينات بالحتميّة لا بالاختيار.. ففي الحين الذي لا تزال فيه قطر تتجه إلى خطاب الجماعية والقومية.. تدشن البشرية اليوم ظرفاً ثقافياً جديداً يقوم على الفردانية والآحادية ذاتاً وتكوينات بسيطة بمشتركات مهنية متخصصة ومحدودة الانتماءات.. بعيداً عن خطابات الأحلام أو الأوهام الكبرى التي لم تعط لواهميها سوى الخيبات والتأزمات..
وهذا ما أوقعها في فخ التكلّس الفكري الذي أوهمها بثبات السياق الثقافي وبالتالي الاعتماد على ذات الإستراتيجيات السياسية غير الصالحة للمرحلة الحالية في التعاطي مع تجاذبات المنطقة وأحداثها وإدارة صراعاتها السياسية..
كان من الأجدى لقطر - لو أن رُشداً مخلصاً ونزيهاً تهيأ لصنّاع القرار فيها - أن تقرأ الثقافة أولاً كي ترسم إستراتيجياتها السياسية في سياقاتها السليمة.. لا أن تستأجر العقول الخاملة التي لو أثمرت الرشد لنفعت أوطانها.. يضاف إلى هذا طيش الشقيقة الصغرى قطر حينما تغامر بلعب أدوار سياسية لا تناسب معطياتها الجغرافية ولا السياسية..
الموجة الحضارية الجديدة للبشرية بفعل بيئة الاتصال الإلكتروني الجديدة.. نسفت مفاهيم ثقافية كاملة ومنها مفهوم خطاب الجماعة والعصبية.. وأبدلتها بصيغ الفرد والذات والتكوينات البسيطة ذات الاهتمام المهني التخصصي المشترك محدود الانتماءات.. وهذا ما غاب عن قطر.. ومرة أخرى: ما أكثر ما يغيب عن رُشْد الصغار!