د. سلطان سعد القحطاني
بعد أن طوفنا مع الرواية في المملكة العربية السعودية، منذ نشأتها، في الثلث الأول من القرن العشرين، على عجالة من أمرنا سببها موعد الندوة وضيق الوقت وكثرة النصوص وتشابهها، حيث نيفت على600عمل سردي، ولا أقول رواية، في مدة 83 ثلاث وثمانين سنة احتوت على أربع مراحل؛ وهي البدايات، والتحول الفني، والتحول الاجتماعي، والمكاشفات؛ لهذه الأسباب مجتمعة حاولت الاختصار والتركيز على ما هو رواية بجانبها قصص طويلة لنبين للمتلقي هذه الفروقات عندما يدرسها أو يقرأها من ناحية، والتأكد من كاتب العمل، إن كان سعودياً أو من المقيمين العرب، وهم كثر، من ناحية أخرى، وخرجت بالنتائج التالية:
- أولاً: بما أن الدراسة كمية، وليست كيفية، فقد ركزت على العدد من كل صنف، بغض النظر عن الجودة من الرداءة، فالجودة في هذه الأعمال لا تتعدى10%، ومن كتاب نعرفهم بأعمالهم، من أصحاب التجربة الفنية، أولاً، والذاتية,ثانياً، كانت لهم محاولات قبل التمكن من التجربة العامة.
- ثانيا: احتوى هذا الكم على عدد من القضايا الذاتية، بحيث لم تتعد القضية المناقَشة في النص عن همّ صاحبها الذاتي الفردي،وهذا يدخل في مجال القصة، وليس الرواية ذات الهم الجمعي.
- ثالثا: كان دخول المرأة الكاتبة في النص السردي بعامة، والروائي، بخاصة، إيذاناً بفتح ثقافي جديد تعدى سلطة الرجل المطلقة في مناقشة القضايا الاجتماعية نيابة عن المرأة، ولم تقتصر كتابة السرد على المرأة المتعلمة من خارج الحدود،مثل: سميرة خاشقجي (سميرة بنت الجزيرة) التي عاشت معظم حياتها بين باريس ولندن وبيروت والإسكندرية، على وجه التحديد، وهدى الرشيد/ التي عاشت حياتها بين مصر، ولندن مذيعة في هيئة الإذاعة البريطانية، بل جاءت المرأة الكاتبة من داخل السعودية نتيجة للعوامل التي قامت عليها الثقافة، وقد أشرت إليها من قبل.
- رابعاً: طرحت الرواية قضايا جديدة شديدة الصلة بما تمر به البلاد من تحولات اجتماعية وفردية، من أبرز هذه القضيا، هجرة أبناء القرى إلى المدن الكبرى ذات الجذب الاقتصادي، والسفر إلى الغرب، للسياحة والدراسة والتجارة وتعليم المرأة، والآن صارت المرأة مشاركة في الحياة، السياسية والعلمية، وغيرها.
- خامساً: فقدت الرواية في السعودية في مراحلها الأخيرة حياءها بعد صدور رواية غازي القصيبي ( شقة الحرية) وتركي الحمد في روايته (العدامة) وتحول النص من بناء روائي إلى مكاشفات جنسية قلدها كتاب ليس لهم تجربة أدبية، فضلاً عن التجربة الروائية، مما جعل الكثير يلهث خلفها طلباً للشهرة، وكان بالإمكان الإيماء إلى هذه القضايا كما أومأ إليها الروائيون الحقيقيون من قبلهم، إبراهيم الناصر، وعبد الرحمن منيف ...وغيرهم، لكنها ضاعت في الزحام في انتمائها إلى مدرسة محمد شكري.
- سادساً: أعطت الحرية الرقابية (النسبية) للرواية فرصة كبيرة للمتلقي لقراءة الرواية، لما وجد فيها من معالجة لهمومه اليومية، وبالتالي تسابق الناشرون على عرضها، وراهنوا عليها،ووضعوا على أغلفة هذه السرديات الرخيصة كلمة(رواية) لغرض تسويقي بحت، بل تدخّل الناشر لوضع عناوين مثيرة، مثل: نساء المنكر، ليتني امرأة، بنات الرياض، خذ بيدي، ذاكرة السرير، مذكرات امرأة..) وغير ذلك من العناوين الإيحائية.
- سابعاً: شهدت هذه الفترة الأخيرة حركة نقدية، تشتت بين النقد العلمي، من نقاد أكاديميين، من داخل المجتمع السعودي، وهؤلاء هم الذين أنجزوا نقداً علمياً محايداً، لسبب واحد، وهو معرفة الناقد بأصول المجتمع وما كتب عنه، اجتماعياً، وجغرافياً، وما حصل له من تغيرات، أما الأكاديميون العرب، فكانت دراساتهم تقاس على خلفية البلاد التي جاءوا منها، فساق الغراب عنوان رواية ليحيى أمقاسم، درسها أحدهم فقاسها على ساق طائر الغراب، ولم يعرف أنها اسم منطقة من مناطق جبال السروات. وكل هذا يهون مع نقد المجاملات من نقاد ليس لهم تجربة نقدية من قبل، لكنهم يكتبون في الصحافة، وهؤلاء شلة تقف بجانب الكاتب بدون دراية فنية بما كتب، ورفعوه إلى مستوى الروائيين وهو لم يقل ذلك، وبالتالي غلب الكم على الكيف. وخلطوا ما بين السيرة الذاتية والرواية، وهذا كلام مناف لحقيقة النقد، فالرواية رواية والسيرة سيرة، وبينهما تماس فني، ذكرناه في هامش الدراسة.
- ثامناً: بلغت التجربة السردية ( قصة طويلة ورواية) حوالي600ستمائة عمل، على يد 300كاتب، أصدر بعضهم عملا واحداً، ولم يشفعه بثان، وهذه إشكالية كبيرة تقابل النقاد في دراسة التجربة، فإن كان العمل الأول متكامل التجربة، من نواحيها التي ذكرناها، فذلك يعني السقوط، لأنه معاكس لقانون التطور العلمي، وإن كان عكس ذلك، فيحتاج إلى محاولة التجربة لتحسين الوضع. فهناك كتاب لم يكن لهم في الساحة الأدبية أية تجربة، وكتبوا أعمالهم لغرض في أنفسهم. وهناك كتاب لم يكن لهم في المجال الأدبي أية صلة: شعراء، وأطباء،ومهندسون، وسياسيون، وبعضهم لا ينتمي لأي مما ذكرنا. وفي كل عام يظهر لنا اسماء ثم تختفي. وجاء الكتاب على ثلاثة أصناف:
- الأول: كاتب موهوب تمكن من تنمية موهبته بالتعرف عن قرب على فنون الأسرة الأدبية بمتابعة الإنتاج الروائي ثقافياً ومعرفياً، ونمى تجربتيه، من خلالهما، فجاء بمنتج روائي كما ينبغي.
- والثاني: موهوب لم ينم موهبته، واكتفى بالانعزال والانصراف بعد تجربته الأولى (ناصر الجاسم) على سبيل المثال.
- والثالث: لا موهبة عنده، مع كثرة محاولاته وغزارة إنتاجه (غالب حمزة أبو الفرج، وصفية عنبر) على سبيل المثال. وهذا بسبب النقد المتساهل في هذه الأعمال، وتشجيع أصحابها على اللغة الرديئة والموضوعات المطروقة، والمعلومة المفتعلة، والتوظيف في غير مكانه.
هذا ما أردت أن أقوله في الرواية في المملكة العربية السعودية باختصار، من حيث نشأتها، وتجربة الكاتب السعودي في هذا المجال الحيوي، وممن تدخل فيه لغرض تجاري أو لخلق شهرة على حساب الكيف، وهذه حالات طبيعية في كل طفرة تحصل في العالم، والفن كفيل بزوالها. فإن وفقت، فمن الله- تعالى- وإن قصرت فمن نفسي، والله أعلم.وآخر دعوانا: أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الكريم ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.