د. صالح بن سعد اللحيدان
الجزء الأول:
أصل الحديث أنه الأمر الجديد وهو ضد القديم
تقول:
أولاً: حديث الشيء الجديد
ثانياً: حديث متجدد، وذلك من باب الاستمرار من حيث الحس. كذلك قال الأقدمون.
ثالثًا: الحديث الكلام الجديد أو الطارئ على منوال. ذكره أئمة اللغة.
رابعًا: الحديث من حدث قال أو تحدث، ويدخل في هذا المشترك اللفظي من باب مطلق.
خامسًا: الحديث الكلام الطارئ على سبيل تجديد ما لم يسمع من قبل.
سادسًا: حدث تكلم أو روى أو قال، ويدخل في هذا ما ذكره ابن مالك وابن عقيل، وسواهما جم غفير خلال قرون سلفت، وهذا يدخل فيه الكلام والكلم والكلمة والقول من باب واسع على عاضد يقوم.
سابعًا: وما سلف قصدت به مطلق القول على غرار مستقيم أو غير مستقيم، ويدخل في هذا كل حديث
يقال من عالم أو عامي أو أمي، ذكرًا كان أو أنثى، صغيرًا كان أو كبيرًا.
ثامنًا: والحديث إذا اقترنت به القرينة لزم القول حياله أنه يعني شيئًا ليس سواه؛ ولهذا نص كبار العلماء كالرامهرمزي والسرخسي وابن قدامة والأمدي والشوكاني وابن قيم الجوزية على أن الحديث على هذا الأساس إنما يقصد به الخبر والرواية والطرح العام. قلت: ويقصد به الأثر على غرار أخبار العرب في الآثار القديمة كما نص عليه ابن قتيبة وابن رشيق والجاحظ وابن تغري برداء. ولعلي قد أشرت إليه في كتابي (نقد آراء ومرويات العلماء والمؤرخين) الذي نشرته دار الشواف في الرياض في العليا.
ولهذا جزم ابن خلدون في المقدمة وتلاه قوم آخرون بأن الحديث هو ما تم رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير أو وصف.
وهذا العلم (علم الحديث) على هذا الأساس لا يصح له كل أحد، كلا ولا يكون.
وإنما الموهبة والقدرات الزائدة في الحفظ والفهم وقوة العقل.. هذا ما يجعل الحديث يعود إلى أهله دون نكير؛ ولهذا عج هذا العصر بكثير من طلاب العلم والدعاة والوعاظ والمثقفين.. عج بما جعلهم يخلطون
شيئًا بشيء دون التفات إلى حقيقة هذا العلم وضوابطه التي لا يقوم إلا عليها. ومن دخل في هذا العلم
هكذا من خلال مجرد النقل أو من خلال الإعجاب بعلم الحديث الرواية والدراية، أو من خلال التقمص - وهو اليوم كثير - يقع هنا (الفأس على الرأس).
من أجل ذلك فإنني أرى ضرورة قوة العقل وصدق النية وصفاء الآلة الذهنية والتحري والنباهة.. هذه أمور لا بد منها من أجل تحرير النص من كونه ضعيفاً أو حسناً لذاته، أو حسناً لغيره أو لا أصل له.. أو انه قاعدة من قواعد الشرع تحتاج إلى نظر لكنه نظر مكيث. أقول ونظر مكين.
وهذا يدعوني إلى القول إنه لا بد من الأمانة وسعة البطان. وإذا كان لا بد من إيراد أي حديث فإنه
لا بد هنا من ذكر المصدر من خلال ذكر الكتاب والجزء والباب والحكم على الحديث.
أما ذكره مجرداً فهذا قد ينال صاحبه طول اللائمة ممن يأخذ بالحديث ويعمل به أو ينشره كما يفعل بعض خطباء الجوامع أو بعض المثقفين والكتاب الذين ينقلون كيفما اتفق.
ولو أن حديثاً ورد على ابن جني أو الفراء أو قل على ابن فرحون أو القرافي أو قل مثل ذلك.. لو ورد على البخاري أو مسلم لشدوا الرحال عدوًا عدوًا لكي يتحققوا من صحة الأثر بمعرفة الإسناد.
ولكن اليوم دخل (الحيص بالبيص واختلط الحابل بالنابل).. فلعل بعضهم ينسب صدر شعر أو عجزه،
لعله ينسبه أنه حديث، وليس كذلك.
ولهذا لعل هذا المقال من هذا الجزء ينفع القراء على اختلاف سبلهم الطيبة، سواء علماء أو كانوا من الدعاة أو كانوا من المثقفين.
وإذا كنت أتكلم عن الحديث على أساس أنه الكلام المطلق فإن الحكام اليوم قد يطول بعضهم اللوم
كل اللوم لسبق القلب العقل، ولسبق العاطفة العقل السليم الأمين، كما حصل من الشيخ تميم، وكنت قد
لمته كثيرًا - وهو يعلم ذلك - حينما كان يرد مع والده إلى الديوان، وقد وجدت منه حسن إنصات ودقة في الفهم إلا أنه قد زل زللاً لم أكن أتوقعه منه، ولعله حينما قال ما قال إنما فعل ذلك من باب قطع الطريق على نهج سليم، وعلى نهج قويم تم في الرياض.