عبده الأسمري
مع ظهور علم النفس كعلم حديث تطور سريعا في وقت كانت الأبحاث مهمة لا تتوقف والنظريات مقياسا للتفوق والاكتشاف أساسا للنبوغ فتمخضت عن علم النفس عشرات الفروع من علم نفس سلوكي وعيادي ونمو وتعلم وصناعي وجنائي وحربي وتجاري وإداري وعلم نفس الشخصية وعلم نفس الإبداع وغيرها الأمر الذي جعل هذا العلم تحديدا الأكثر ارتباطا بالبشر بحياتهم بسلوكهم بتصرفاتهم بآمالهم ولا تزال هذه التخصصات تسبر أغوار النفس الإنسانية بحثا عن الجديد..
هنالك علم النفس الثقافي والذي رغم ظهوره إلا أنه ظل في إطار علمي بحت ولا يزال العلماء والباحثون فيه يمارسون فك رموز هذا العلم الذي يربط النفس بالثقافة ويدخل في إطارات لا متناهية من الجوانب السلوكية والاجتماعية.
وهنا وبحكم تخصصي وارتباطي بين علم النفس كتخصص أول وأعمق وبين الثقافة كروح وهواء أتنفسه والكتابة كرئة ثالثة فإني أود أن أسبر أغوار جزء من هذا العلم بما يتعلق به كمنظومة بحثية وبين الثقافة كأسلوب حياة وسلوك أدبي وجمع هذه الأطراف مع الإنتاج الأدبي وتفاصيله.
السؤال ما علاقة علم النفس الثقافي بالأدب وما ارتباطه بالشعر والقصة والرواية والنقد والبحث الثقافي.. ثمة ارتباط لم يدرس بشكل ملموس أو بمعنى أصح لم نرَ مفهوم علم النفس الثقافي حاضرا لدينا في مناهج الجامعات ولم نجده في سياق أمسية أو مناسبة أو تظاهرة أو ندوة أو محاضرة في أي محفل ثقافي لدينا رغم وجود مئات الجهات الثقافية من أندية أدبية وجمعيات ثقافة وفنون وصوالين أدبية وتجمعات أسبوعية للمثقفين ومعارض الكتاب والأمسيات وسوق عكاظ ومهرجان الجنادرية وغيرها.
الارتباط يكمن في تحليل المنتج الثقافي فعندما يتم رصد معاناة أو اختصار مشهد أو الانتصار لقيمة أو تحليل رواية ترصد ظاهرة اجتماعية منشأها نفسي أو قصة تبلور عمق إنساني نفسي في المجتمع فأين هذه المنتجات من ربطها بمفهوم علم النفس الثقافي..
ما يتم ماضيا وحاضرا تحليل هذه المعطيات وما فيها والشخصيات من قالب ثقافي أو حتى رقابي أو من خلال كلمات يبروزها المؤلف على استحياء في مقدمته أو خاتمته ولكنها تهمل من أهم جانب وهو التحليل في إطار علمي وتخصصي ومزدوج يربط علم النفس بالثقافة تحت إطار المجتمع وهنا أجزم أن تلك المنتجات والمقدرة بالآلاف التي لا تزال تعمر بها المكتبات ودور النشر ظلت غائبة عن هذا التحليل والربط العميق بعلم من أهم العلوم.
أعود للأسباب والدوافع والتي تتلخص في غياب المتخصصين في هذا العلم من جهة وأيضا وجود فجوة بين الجامعات ومقار المعرفة وبين المثقفين ومحافلهم التي باتت تخضع للرقابة والتصنيف والشخصنة والنقد قبل الاجتماع والاتحاد للخروج بمنتج اضافي يضاهي المادة المؤلفة وقد رأينا دراسات نقدية وأدبية وتحليلية لعدة منتجات أدبية ولكننا لم نرَ الدراسة السيكولوجية ولم يعلم أحد أن هنالك علما يتبارى الغرب منذ أمد في تحليله وفي استنباط نظرياته. وهو علم النفس الثقافي ليس لدينا من الأدوات أو من المتخصصين من سيأتي ليحلل بطريقة علمية ولكن الأمل يحدوني والفرص متاحة أمام جهات الثقافة في وطني وفي ساحة المثقفين والعباقرة منهم تحديدا أن يشبعوا الإنتاج الأدبي خصوصا الذي وصل للعالمية أو نافس عليها لدراسات عميقة متعمقة تربط علم النفس بالثقافة وتخرج دراسات نفسية ثقافية لإظهار خطابات جديدة ونقد احترافي ملموس بعيد عن توصيف المؤلفين لمؤلفاتهم وحيث تكون هذه الدراسات في هيئة إنتاج وتوثيق يستفاد منه حتى نرى علم النفس الثقافي حاضرا في محافل الثقافة ومناسبات الأدب حتى يولد وينمو في حضن الاختصاص وبرعاية الثقافة ومناسباتها الكبرى.