علي الخزيم
{حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } (18) سورة النمل، عُرِّف الوادي بالآية الكريمة، وحَدَّد بعض المفسرين مكانه وإن اختلفوا، غير أن الآية نَكَّرتْ النملة، ويرى بعض المفسرين أنها زعيمة تلك القبيلة أو قائدة مجموعتها، ولفتت انتباهي أقوال وردت ببعض التفاسير منها ما تَحَدَّث عن حجم النملة وأنها كالذئب أو الخروف، بل إن منهم من سمَّاها باسم خاص بها زاعماً أنه ورد بالسِّيَر، إلى غير ذلك من أقوال وآراء قد تبلبل فكر المُتلقي، لكن قد يتساءل المرء هل في قصة النملة مع النبي سليمان ما يدل على أن الله سبحانه قد بعث ما يُماثل تكليف الرسل والأنبياء للطير والحيوان وبقية المخلوقات؟! هذا التساؤل لا يخرج عن دائرة المنطق والمعقول، فهو في مدار التَّقَصِّي والاستبصار المندوب إليه، بل إني سمعت فقيهاً ذائع الصيت يصف من هذا شأنه دون الانحدار إلى فلسفات تُفْضي إلى أفكار الحادية بأنه قوي الإيمان، ثم إن المُتأمل بحياة الوحوش والحيوانات كافة والطير وغيرها؛ سيجد أن لها صفات فطرية تماثل ما عليه الإنسان من النوازع والعواطف والسلوكيات الإيجابية والسلبية، حتى في الاتصال بالخالق سبحانه: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (44) سورة الإسراء، ولنتأمل الإعجاز العلمي بقوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} (38) سورة الأنعام.
وقد توافقت نتائج الأبحاث العلمية كأبحاث المؤتمر العالمي للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وغيرها من الأبحاث الموثوقة على كثير من التشابه والتماثل (دون التطابق) بين هذه الأمم والإنسان، وما زالت الدراسات الحديثة جارية حتى الآن للتَّبصُّر بحقائق سبق بها القرآن الكريم المُنزل من الله وهو بكل خلق عليم سبحانه، وتساعد على ذلك الأجهزة المجهرية الدقيقة ودراسة الخرائط الكروموسومية والجينات.
عد إلى حياة النمل وممارساتها اليومية وخصالها مع أبناء جنسها ومع أفراد مجموعتها ثم لا حظ تعاملها مع الكائنات الأخرى؛ سوف تستنبط تماثلاً وتشابهاً بينها وبين الإنسان، والكلام ذاته يقال عن كائنات حية أخرى، اقرأ عن كائنات اكتشف العلماء أنها تستعبد كائنات تختلف عنها، كقيام نوع من الدبابير بسلب إرادة عناكب وتطويعها للعمل في خدمتها بعد حقنها بمركبات كيمائية تتلاعب بهرمونات العنكبوت، ومثله النمل (صانع الرقيق) حيث تستعبد بعض أنواع النمل أنواعا أخرى للقيام بالعمل بدلا عنها عن طريق شن غارات على المستعمرات المحيطة، فتنشب معارك طاحنة، ولهذا السبب فأي كائن في هذه الحياة له دور محدد، كما أن انقراضه سيؤثر على بقية الكائنات، وما خلق الله من شيء إلا لحكمة، فمن الإيمان بمعجزات الخالق جلَّت قدرته إثارة مثل هذه التساؤلات: (لماذا وجدت هذه الكائنات على الأرض)؟!