د. خالد عبدالله الخميس
الإشاعة من أبرز اهتمامات علم النفس والإعلام والاستخبارات، والتلاعب بالإشاعة موضوع خطير جداً؛ كونها تعمل على قلب معادلة الأمن إلى الفوضى وقلب معادلة النصر إلى الهزيمة، لذا فلدى كل جهاز استخباراتي عالمي إدارة خاصة بفن الإشاعة.
وكما أن الإشاعة تُصنع صنعاً في أجهزة الاستخبارات فهي أيضاً تأتي بشكل عفوي، إِذْ إن كل فرد منا عرضة لأن يكون مخترعاً وناشراً للإشاعة، وذلك حينما تتطابق شروطها مع خصائصه النفسية.
يرجع أول سبب لنشر الإشاعة إلى مدى ثقة الفرد بصدق إعلامه المحلي، فعدم الثقة في الإعلام المحلي يمثل مناخاً مناسباً لإنجاح نشر الإشاعة، ولذا فأية إشاعة أو معلومة مضللة يطلقها الإعلام المضاد سيكون مرحباً بها من قبل تلك المجتمعات، ويصبح مثل هذا المجتمع الذي لا يثق في صحة أخبار إعلامه عرضة لتقبل داء الإشاعة. لذا فالمجتمعات الديموقراطية يقل فيها نشر الإشاعات الاجتماعية والسياسية كون وسائل إعلامهم المحلي مستقلة وحرة.
وعلى المستوى الفردي فإنَّ غياب المعلومة عن موضوع ما يولد مناخاً مناسباً لزرع الإشاعة، فمثلاً لو أن زميلك في العمل تغيب لمدة أسبوع عن الحضور للعمل ولم يكن هنالك مصدر موثق يخبر عن سبب غيابه، فإنَّ «سبب الغياب» سيكون حالة ناضجة لإطلاق أي إشاعة بل وستكون أنت أحد مروجيها.
والسبب الآخر في انتشار الإشاعة هو كون المجتمع أو الأفراد متوترين وقلقين، فالمجتمعات التي تمر بأزمات ضاغطة كالحروب والأزمات الاقتصادية أو الأمنية تنتشر فيها الإشاعة بشكل سريع، كذلك الأشخاص الذين يتسمون بالقلق فهم عادة يميلون بطبعهم لتصديق الأخبار الأكثر سلبية، كون طريقة تفكيرهم تقولبت على الرؤية السلبية للأحداث، بل إنهم حينما ينقلون الخبر لغيرهم فإنهم من دون قصد يصيغون الخبر بشكل أكثر سلبية مما سمعوه، وذلك كون عقولهم اعتادت على قراءة الأحداث بالأسلوب السيئ ونشر الخبر بأسوأ الاحتمالات. ولذا ففي علم النفس يُعدُّ الأشخاص القلقون هم أكثر من يسهم في نشر الأخبار والإشاعات السيئة.
ومن أسباب انتشار الإشاعة مدى قناعة المجتمعات وكذا الفرد بعقيدة أو فكر معين، فطبيعة أي فرد أنه يتحيز نحو تصديق الخبر الذي يؤكد اعتقاده ويسعى جاهداً لترويجه وإشاعته، بينما يتغافل عن الخبر الذي يضاد اعتقاده، فأسلوب تفكير الفرد وتعصبه عامل رئيسي في نشر الإشاعات المؤدلجة والمسيسة. فالذي يفكر بالأسلوب الليبرالي أو الشيوعي أو الحزبي أو الديني يسعى لنشر أي إشاعة تتوافق مع فكره، ويعرض عن نشر أي خبر يصطدم مع فكره. وما نلمسه الآن على مواقع التواصل الاجتماعي من حروب كلامية بين فصائل متباينة في الاتجاهات والأفكار هو مثال صريح لنشر الإشاعة المؤدلجة أو المسيسة، حيث يعمد كل فصيل لنشر أي خبر كاذب يهين الفكر الاخر، ويحجم عن نشر أي خبر صادق يمتدح الآخر، وهذا ما يعرف في علم النفس بالتحيز الفكري conformation bias.
نقطة أخيرة، رغم أننا نسمع العديد من الإشاعات ونظن أن أعدادها كبير إلا أن الكثير منها تموت في أطوارها الأولى، وذلك بسبب أن أحد شروطها لم يتحقق.