سلمان بن محمد العُمري
توقّفت كثيراً حول رسالة وصلتني من أحد الزملاء، تحمل كلمات موجزة لها معانٍ ودلالات عظيمة في مضامينها، ولا يعرف قائلها وزميلي مجرّد ناقل لها.
فحوى الرسالة: «اتركوا الطواف حول الكعبة قليلاً، وطوفوا حول الفقراء ستجدون الله».
سأركّز في حديثي هنا عن الصدقة التي تعد جزءاً لا يتجزّأ من الحالة الإسلامية التي أرادها الله تعالى لبني البشر، والصدقة تمضي الإنفاق الخيّر الذي لا يقدر عليه إلا الإنسان الصادق القوي القنوع المحب للخير، والصدقة بمعناها الصحيح الذي لا تعرف بموجبه يسارك ما أنفقت يمينك هي حالة الأشخاص الذين أنعم الله عليهم بإيمان لا يتزعزع، وبثقةٍ بالله، وبنفس قويّة راسخة.
والصدقة تطفئ غضب الرب وتمحق الذنوب وفيه تأليف للقلوب، وصلة للأرحام وإزالة لما في نفوس الضعفاء مع الأغنياء وفيها روحانية عظيمة على نفوس المتصدقين وقبل هذا فيها أجر عظيم من المولى عزَّ وجلَّ: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء}، وأفضل الصدقات ما كان يراد به وجه الله عزَّ وجلَّ لا رياء ولا سمعة ولا مكافآت على معروف بل ابتغاء وجه الله وفي سبيل الله وكذلك الإنفاق من طيب المال والأعيان لا رد لهم {حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}، وكذلك عدم المنِّ والأذى والتصرف عليهم {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى}، «وصدقة السر خير من صدقة العلن ورجل لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه»، وقد تكون صدقة العلن مقبولة في أحوال لا يسع تفاصيلها وكما ذكرها أهل العلم.
ومن أبواب النفقة الواجبة الزكاة وهي ركن من أركان الإسلام يتهاون فيه بعض الناس بالتراخي على صرف زكواتهم، بالتقصير والتأخير والتسويف أو العدول عنها بالتأويل والتحايل والعياذ بالله وهناك من لا يعرف حساب زكاته أبداً مما يجعله مقصراً في أداء حقها وواجب عليه السؤال عنها لأهل العلم لأنه ليس معذوراً بالجهل وقد تحققت له أسباب المعرفة وفي المقابل هناك من يحرص على أداء الزكاة في أوقاتها منتظمة غير منقوصة يخرجون ما حق عليهم في الزكاة بنفس طيبة راضية ويتقربون إلى الله بأدائها ويعلمون أنها نفقة مخلوقة، وسيبارك الله فيما بقي ومن أمسك عنها فإن الله سبحانه لن يبارك للممسك والمانع للزكاة، وتعظيماً لهذا الشهر ولأيامه ولياليه المباركة، هناك من الموسرين من يقدر زكاته القادمة ويجعل في دفعها في هذا الشهر لمحتاج إليها وطلب البركة وعظيم الأجر في هذا الشهر.
إن الإنسان الواثق من أن رزقه من الله عز وجل لا يفكر مجرد تفكير بما ينفق أو بما سينفقه؛ لأنه يعلم أن الله تعالى سيعوضه أضعافاً مضاعفة، وهناك أناس يعيشون بيننا، وقد جربوا ذلك وعاشوه، ووجدوا ما وعدهم الله تعالى صدقاً خالصاً صافـياً لا مجال للشك فيه.
إن الصدقة عائدة إليك طال الزمان أم قصر أضعافاً مضاعفة، ولكن أخلص النية في فعلها، وادع الله أن يقبلها، وحث الناس على فعلها، وتوكل على الله فهو نعم المولى ونعم النصير، قال - تعالى -: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) المزمل: 20، وخير الأعمال الصدقات الجارية التي ينتفع الإنسان بها حتى بعد موته.