محمد آل الشيخ
لم يكن يتوقع القطريون قرار حصار قطر وعزلها بهذه القوة والسرعة والحزم، فأتى القرار كالصاعقة التي نزلت فوق رؤوسهم. اتضح ذلك بوضوح من خلال ردة الفعل القطرية الأولية التي صاحبت القرار، فقد بدا واضحاً الارتباك والتخبط والذهول الذي رافق القرار، والذي أشار بوضوح إلى أنهم تفاجأوا به، وبقوّته، وصرامته وشموليته؛ من هنا يمكن القول إنّ لا تميم ولا والده كانوا يعرفون من هو سلمان بن عبد العزيز إذا غضب؛ لو أنهم - على الأقل - كلفوا أنفسهم بتكليف خبير أو سياسي فطن ومتمكن وحصيف، لتوقع ذلك، بعد التصعيد الإعلامي غير المسبوق الذي واكب تصريحات تميم غير المسؤولة والمتهورة، والتي بثتها وكالة الأنباء القطرية، وكانت بحق تعبر وبدقة عن انتفاخ مرضي، أو كما يقول العرب: (كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد)، فقد سلط في تلك التصريحات نيرانه إلى الجميع دونما استثناء، تلميحاً في جزء منه، وتصريحاً في الجزء الآخر. ومن يعرف خادم الحرمين منذ أن كان حاكماً للعاصمة الرياض، يعرف عنه أنّ الحزم جزء أصيل من فلسفته في إدارة القضايا، وبالذات عندما يجد أنّ التساهل والتسامح قد يفهمه الآخر على أنه تفريط بالوطن وأمن الوطن وهي الأمانة التي بايعه شعبه عليها.. ومن يقرأ السياسة القطرية منذ أن انقلب حمد على والده لن يجد إلا رجلاً يشعر شعوراً عميقاً بنقص حاد، ويحاول جاهداً تعويضه بالأموال التي ينفقها بجنون دون رقيب أو حسيب ظناً منه أنّ المال قد يصنع دولاً لا تملك مؤهلات الدولة العظمى، لا تاريخاً ولا ديمغرافياً . لذلك فمن يقرأ تصرفات هذا الرجل العصابي المريض سيكتشف دون عناء، أنه يعتقد أن إمكانيات الدول وقدراتها يمكن أن تشترى بالمال والإعلام، فأراد أن يحوّل قطر إلى دولة إقليمية عظمى، تجول في المنطقة وتصول، تهاجم هذا وتهدد الآخر، وتخاطب الشعوب وتخاصم الحكومات. وتتحالف مع هذه الدولة، ثم إذا وجدت فرصة انقضت عليها إعلامياً، وحشدت الحشود وحرضت على الاضطرابات؛ كما حصل مع القذافي، صديقه الذي انقلب عليه، لذلك يمكن القول وبعلمية إن كل قطرة دم أريقت إبان ما يسمّى الربيع العربي فإنّ هذا الرجل - أعني حمد بن خليفة - مسؤول عنها إلى درجة كبيرة.
من الواضح بعد قرارات الدول الخليجية والعربية، أنّ الحصار عليه يزداد يوماً بعد الآخر، ولا أعتقد أن المملكة ومعها دول الخليج سترضى بأقل من تغيير قطري جذري بعد أن نكث تميم، ووالده باتفاقية القرار عام 2014، فقد جربت المملكة والخليجيون مدى التزام تميم، ووالده بما يوقعون عليه، فلم يجدوا إلا رجلاً مخادعاً غداراً، يقول الكلمة ويوقع على ما يقول، وما أن يصل الدوحة، حتى (تعود حليمة إلى عادتها القديمة). لذلك فيجب عدم الثقة به، فكما يقولون (التجربة خير برهان)، وقد جربناه، فاتضح أنه لا هو ولا أبوه من قبله أهل لأن يوثق بهم.
وكان من المفروض بصراحة أن تتم قطع العلاقات ليس من الآن، ولكن منذ أن تسرب التسجيل الشهير لحاكم قطر السابق ولوزير خارجيته، لكننا تعاملنا بعفو الكرام، فثبت الآن أنه لا يمت للكرم ولا للوفاء بأي صلة؛ لذلك فيجب أن لا نتنازل إطلاقاً عن قرار المقاطعة والحصار مهما كانت التكلفة، فلدينا من الأوراق السياسية والاقتصادية ما ليس لديه، مهما ادعت قناة الجزيرة الإخوانية خلاف ذلك.
إلى اللقاء.