فاطمة محمد صلوي
«أن تعمل بيدك فقط فأنت عامل، وأن تعمل بيدك وعقلك فأنت حرفي، وأن تعمل بيدك وعقلك وإحساسك فأنت فنان». هكذا اختصر الفنان العالمي بابلو بيكاسو الفرق بين الأنواع الثلاثة في المجال نفسه، وما زلنا نشاهد حضورًا قويًّا بين العامل والحرفي وهما يكرران لوحات الخيول والملوك والأمراء، ويعتاشون منها.
المشكلة ليست هنا.. المشكلة تكمن في افتتاح المعارض، والمشاركة فيها بكثرة، وإدخال خيولهم المكررة في مسابقات الفن التشكيلي، وأحيانًا تفوز، وأحيانًا أخرى يفوز حصان آخر؛ لأن الحصان الأول وجه فقط بلا أقدام، فكيف يستطيع الركض في السباق والفوز بالمركز الأول؟ لم تقف المسألة هنا، بل حتى في المعارض التي ترعى الفنانين الجدد تجد من يأتي بالإسطبل الخاص به ليعرض بجانبيهم، ويحدث ذلك التضارب الشنيع بين الفكرين والعرضين، وربما الجيلين. وفي ظل ازدهار الفن التشكيلي السعودي، أو كما يسمى عصر النهضة للفن السعودي، نجد أن فئة العمال ما زالت تعمل على تكاثر خيولها؛ وهذا ما عمل على إبطاء سرعة التطور الفني لدينا. شخصيًّا ليس لدي أي موقف سلبي تجاه رسم الخيل؛ فهو رمز العروبة والجمال والأصالة، ولكن ضد التكرار والحكر واستعمال أسلوب واحد ممل ورتيب وقديم جدًّا، وإعادته لسوق الفن ومنافسة الفكر بالتراث والتقنية.. لكن أقول: لو أتيح للفنانين الجدد أصحاب الفكر المتجدد والفلسفة الفنية البعيدة فرصة لمعالجة الخيول معالجة تشكيلية جديدة لرأيت اللوحة بدت أكثر أناقة وجمالاً مما يعرض ويباع ويدافع عنه حتى. وكما رأيت في معرض افتتح قبل عام ونصف العام من الآن، كان يحتوي على قاعتين: الأولى للفنانين الجدد، وكانت مجانية. والقاعة المقابلة هي للفنانين القدامى أصحاب الخيل والنساء أحيانًا، وكان الدخول يتطلب دفع مبلغ رمزي. لا أخفيكم ندمي على كل ريال دفعته لمشاهدة تلك اللوحات المؤلمة.. لماذا وقعت في فخ الدفع لهؤلاء العمال؟ من هذا المقال أنا لا أطالب بإيقاف رسم الخيل، ولكني أكرر دعوتي لتغيير نمط رسمه وإظهاره بأسلوب جديد، لا يحاكي الواقع، ويبهر زوار المعرض بالتقنية، وينسى الفكر والرسالة، أو يحضر لنا العامل صورة جاهزة للخيل بدلاً من إتعاب نفسه واستهلاك طاقته في نسخه على لوحه. هذا زمن الفكر.. لنتوقف عن الأعمال التي تأمرك بوضع عقلك على الرف، وتبهرك بواقعيتها وإقحامها بجانب الأعمال ذات الطابع الفلسفي والقضية السامية.. فإما صور أو فكر.. إما عامل أو فنان.. إما حرفي أو مفكر.