رمضان جريدي العنزي
الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، هذه المرة قلت سأخاطبك مباشرة، بلا وسيط ولا شفيع ولا ناقل كلام، أن السنوات القليلة الماضية من حكمكم، كانت باذخة بالأمل أن يتم التحول والتبدل السياسي في بلدكم الشقيق إلى ما فيه مصلحة قطر ومصلحة دول مجلس التعاوني الخليجي، وأن تكون خير عضدٍ وسندٍ لهم، بدل الاستمرار في سياسة خالف تعرف التي أنتجت وبالاً عظيمًا عليكم وعلينا كمنظومة خليجية اتحادية فريدة، إن أقوالكم وشعاراتكم التي رفعتوها أبان توليكم الحكم لم تطبق على أرض الواقع منذ ذلك التاريخ، بل ازداد الأمر سوءاً وتعقيداً، إن المناصب العليا مصائد الشيطان، والراغب في الدنيا كشارب ماء البحر، كلما شرب منه ازداد عطشاً، وأن شهوة الحكم والتوسع والسيطرة التي أصبحت حلمكم أفقدتكم كل شيء حي نابض بالتعاون والألفة والعهد والأمانة والصدق، إن عليك يا سمو الأمير أن تتصور كل المبادئ والأحلاف التي عاش من أجلها أجدادكم عقودًا طويلة ونادوا بها طويلاً وعلقوها شعارات يعملون بموجبها مع أهلهم وجيرانهم وأشقائهم، لم تشغلهم صخب السلطة ومغرياتها والمناصب وامتيازاتها، ولم يتعاهدوا مع الأعداء والباحثين عن الفرقة، ولم يرهفوا أسماعهم للغرباء المرتزقة، ولم يقعوا تحت تأثير المغرضين والمنتفعين، بل عاشوا مع شعوبهم بوجوه جميلة، وماتوا بوجوه جميلة، كان بودي أن أرى فيك وفي أركان حكمك يا سمو الأمير تلك الحكمة والحلم والأناة والجمال، ولا أن يكون همك وغايتك ونصب عينيك حرق جيرانك وهدم صروحهم وتفتيتهم، وأنى لكم بعد هذا، أن تتحدثون عن همكم الخليجي وخوفكم على الشعب الخليجي وتبحثون له عن الاستقرار والسؤدد وأنتم تشغلون مكائن الأعلام المحلية والمستأجرة، وتشترون الأنفس والذمم والدول، وتتنقلون بين الغرف السرية وممراتها، وتغمركم الأنفاس الطاغية بوباء الغطرسة والعنجهية وتتلذذون بسفك الدماء والهدم والخراب ما يهتز لها عرش الرحمن، أنى لكم أن تتحدثوا عن الوحدة والاتحاد والهم الخليجي وحق الشعوب الخليجية بالاتحاد والانصهار التي طالما رددتموها في محاضراتكم ومقابلاتكم ولقاءاتكم وقد تعمدتم أن تمسحوا من تفكيركم مفردات ما تضمرونه وتودون عمله، يا شيخ تميم بن حمد آل ثاني، منذ أن توليتم الحكم ونحن نبحث عن نظام قطري جديد يجدد معنا الحياة بكل جمالها ورونقها وبهائها، بعيداً عن الظلم والتعسف والغدر والخيانة، لكنكم لا تريدون أن تفقدوا مجد الدنيا الزائف، والتحالفاتلخربة حتى وإن انتهى بكم أن تتحالفوا مع الشيطان وأعوانه، كان بوسعكم أن تفعلوا ما يفعله العقلاء، وأن تتفادوا ما قد حصل، باستبعادكم للفاشيين والفاشلين والانتهازيين والمتملقين لتعززوا مقامكم السياسي وخلودكم في الحكم، لكنكم لم تفعلوا ذلك لأنكم لا ترون أبعد من أرنبة أنفكم، ولا تحترمون العهد والوعد والتعهد، ولا تراعون المخلصين والناصحين والمصلحين، لذا فقد حولتم قطر كلها لـ(مافيا) إعلامية تنتج القتله والمارقين والكارهين والحاقدين والمفسدين والفاشلين، حتى أصبحت قطر أنموذجًا للكاذب المحترف الذي يجيد فن استنزاف الأموال لصالح نفسه وجماعته وحزبه، إن الشعب القطري الشقيق بأكمله ضحية من ضحايا هذه السياسة المارقة، والإعلام الفاجر الذي فتحتم له الأبواب الموصدة، وما كان أمامه إلا الضجيج المر والكذب الفاضح، وأنى للنفس البشرية أن تقاوم مغريات الأموال والعقارات وامتيازات أخرى لا تعد ولا تحصى، صغتموها على مقاييس نهم وعطش الغرباء الذين من حولكم، وسوف تتحملون وزر ضياع قطر وشعبها الشقيق، لقد تحول مستشاريكم اللاقطريين إلى رؤساء مافيات همها سرقة المال القطري العام، وتشويهم بلدكم وإدخاله في متاهات كبيرة وعظيمة ومتشعبة لا قدرة له عليها، وهذا يعني أن بقاءهم حولكم يسرحون ويمرحون بكل حرية هو بقاء لمعاناة الشعب القطري الشقيق، وهدر أموالة ونهبها من قبل هذه الثلة المارقة، ويعني أيضا أنهم يعملون وبشكل صريح وعلى الطاولة على تشويه النقاء القطري الذي احتفظ على نقائه طويلًا قبل أن تعمل به معاول هدمهم تخريبًا وتشويهًا، لقد سرقوا عذرية الأمة، وأهانوا شرفها وباعوا كرامتها في المزادات كلها، سنوات عجاف مرت على قطر الشقيقة الحبيبة، بفعل هؤلاء الدجالين المخربين، أعرف يا شيخ تميم بن حمد آل ثاني، بأنك تعرف هؤلاء جيداً وتعيهم، لأنك على هرم منظومة الحكم، لكنك اكتفيت بحياة الدعة والأنس، وفضلت أن تكون متفرجًا على أن تكون معترضا، لقد أهلك هؤلاء الغرباء المفسدين الشعب القطري، وأنهكوه بالأرق والتعب، وبددوا ثرواته وما زالوا حتى الآن يحرقون بأموال الشعب القطري الشعب القطري نفسه، أن هؤلاء يا سمو الأمير لا يمكن أن يكونوا نزيهين ولا أمناء ولا نظيفين، وإذا سلمتم بغير ذلك فعليكم أن تعترفوا أنكم تخادعون أنفسكم، كان الشعب القطري ومعه الشعب الخليجي ظن عندما اعتليت كرسي الحكم بعد والدك أن تعلن عن شيء ما يبهج الشعب القطري والخليجي ماً ويفرحه، لكي تخرج بقطر من مخالب الحزبيين المفسدين الذين يهوون الدمار ويتلذذون بمشاهدة بحيرات الدم، لكنك لم تفعل، لأن الهم القطري لم يكن همك، والشأن الخليجي لم يكن شأنك، كانت فرصتك أن تتحالف مع شعبك ومع الشعوب الخليجية المحبة الوفية وتجمع المخلصين من حولك، وتجعل كل همك إنقاذ الأمة من التشرذم والهلاك وأتون النار، وتكرس كل وقتك وطاقاتك لطريق الإنقاذ وأن تجعله عنوانًا كبيرًا في حياتك السياسية، لكنك لم تفعل يا سمو الأمير، ولم تنتصر على نفسك، ورضخت لأوامر المرتزقة والحزبيين ومشعلي النيران وموقدي الفتن، لقد كانت كبوة قصمت ظهر عاقبتك، وعصفت بآخرتك، وأغلقت على شعبك الأمل والتمني، لقد خيرك القدر، بين أن تفرش قلبك جسراً لشعبك وللشعوب الخليجية وتسخر قدراتك لمصالحهم، فترتقي صوب المجد، لأن الشعوب وحدها من يمجد الأبطال الأنقياء والمخلصين، وينقش أسماءهم في سجل الخالدين، وبين أن تجعل من الأمة جسرًا لأحلام المتربصين الذين معكم وحولك، ولشهواتهم الزائلة مع دنيا حقيرة وقصيرة، فبالله عليك يا سمو الأمير، أي الخيارين اخترت؟، تمعن من حولك وفي محيطك، فهل يحيط بك ما يحيط بهم؟، تمعن فيما هو أبعد منك، فلن تجد غير الكوارث والمآسي الذي خلفتها السياسات الرعناء، الحقيقة لا تخدع الناس، والصدق واضح، أن حساباتك السياسية يا سمو الأمير قد طغت على حساباتك الإنسانية والتعاليم الدينية، ولأن جدول التعاضد والوحدة والتلاحم فيك قد أصابه اليبس والجفاف، يا سمو الأمير، أني لأعجب على جرأة الغرباء الذين حولك، والذين يديرون دفة حكمك، وجرأتهم على الناس والواقع والحقيقة، تتحدثون شخصياً عن الوحدة والتنمية ووجوب اللحمة والدعة والسلام وأنتم توقدون أوار النار والإرهاب، وتتحالفون مع قوى الشر والخراب، لقد اخترتم بمحض إرادتكم هؤلاء الشرذمة من الناس، وفشلتم في الاختيار والاختبار، ولم تنجحوا أمام دوافع هؤلاء الأشرار وأطماعهم وغاياتهم ومبتغياتهم، وما كان الله عدوًا لأحد منا، لكنه يختبر إخلاصنا وصدق أحاديثنا ليخرج الخبء مما يعتمل في دواخلنا، فوضع لنا رحمة منه وإظهارًا لعدله قانونًا خص به المؤمنين ليعرف مدى تطابق ادعاءاتنا ومظاهرنا وسماتنا، ليكشف الصدق من النفاق وحتى لا تنخدع الأمة، ولا بأس في أن أذكرك يا سمو الأمير وعلك تنتفع بهذه الذكرى، بما ورد في القرآن الكريم من قول صريح يخاطب به المؤمنين ومن يتشدق بالإيمان: {مَّا كَانَ الّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}.
يا سمو الأمير تميم بن حمد آل ثاني، إن النظام الطيب هو من يؤثر شعبه وجيرانه على نفسه ولا يتخذهم جسرًا لدنياه، ولا يتحصن ويتركهم في العراء نهبًا للذئاب، ولا يتخذ من عدوهم سنداً وقوة له، {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا}.. والله من وراء القصد.