«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
عند عودتنا من صلاة التراويح ونحن فتية صغار كنا نتراكض لبيت (خالي) عبد اللطيف والذي كان من أوائل الذين امتلكوا تلفزيونا في مدينة المبرز. أيامها لا يوجد في مدينتنا إلا أقل من أصابع اليد الواحدة. وكان مجلس خالي يشهد كل مساء حضوراً لافتاً من قبل العديد من معارفه وأصدقائه. وحتى يتيح الفرصة لمشاهدة الأسرة لما يعرض في هذا الجهاز السحري اقترح عليه والدي رحمه الله أن يضع أكثر من مراية تنقل الصورة من المجلس إلى داخل الغرفة التي تجلس فيها الأسرة على أن تكون غرفة المجلس طوال وقت بث التلفزيون في حالة مظلمة حتى تكون الصور المنقولة عبر المرايا واضحة، وتم نقل الصوت من خلال سماعات من التلفزيون لداخل الغرفة الداخلية المجاورة للمجلس، وبهذه الطريقة أتاح فرصة مشاهدة التلفزيون لمن في المجلس ولأفراد الأسرة.. وكان أيامها «تلفزيون الظهران» أرامكو والذي تأسس في 16 سبتمبر 1957م كان ثاني تلفزيون في العالم العربي يحتل الصدارة في جذب الجميع لمتابعة برامجه رغم محدوديتها وحتى قلة ساعات بثها. وكانت برامجه المنوعة والتي أحسن اختيارها تجمع حولها الكثير من المشاهدين، ولست أبالغ إذا قلت إنك تجد في مجلس (خالي) نخبة من علية القوم كما يقال تجد الطبيب، وضابط الأمن، ومدير المدرسة إضافة إلى بعض التجار والأعيان.. ولا أعتقد أن في ذلك الزمن ناس احتفوا بما يشاهدونه من برامج وأفلام كما كان احتفاء رواد ذلك المجلس.. والجميل أن الجميع يشاهد بدون تعليق أو إحداث ثرثرة أو حتى إزعاج اللهم إلا إذا حدثت عطسة رغم أنف صاحبها أو ضحكة لا يقاومها أحدهم وهو يشاهد مقالب الثنائي الشهير (لوريل وهاردي) أو فيلم لإسماعيل ياسين أو نجيب الريحاني.. أو برنامج الأطفال بابا حطاب كذلك البرامج الدينية والأفلام التاريخية والتي تعنى بالإسلام وكان هذا الأمر المشدد ساريا في مجلس الرجال وأكثر شدة في غرفة الأسرة، ويا ويلنا وسواد ليلنا لو أحدث أحدنا صوتاً فسوف يحرم من المشاهدة. تذكرت ذلك وكأنني أشاهد شريطاً مصوراً عما كان يحدث في تلك الليالي البيهجة القديمة في رمضان ونحن نشاهدها في مجلس خالي.. وكيف كنا نستمتع بمتابعة تلفزيون الظهران وبرامجه المخصصة عن رمضان خصوصاً مسابقة الشهر الكريم وجوائزه المتميزة، ولا يمكن أن أنسى فوز والدتي رحمها الله بإحدى الجوائز الثمينة، وكانت مفاجأة لها عندما أعلن اسمها الثلاثي، وفي العادة تعلن نتائج المسابقة بعد رمضان كورسائل المشاركين ترسل عن طريق البريد ليس مثل هذه الأيام عبر الرسائل النصية ومن خلال مئات القنوات الفضائية التي انتشرت في الفضاء الواسع.؟! وهكذا مضى بنا العمر وبتنا نشاهد اليوم ما لم نكن نحلم أن نشاهده.. وأيضاً لا يمكن أن ننسى تلك الكلمات الرائعة والبسيطة التي كانت تصاحب الشهر الكريم في تلفزيون الظهران، والتي كانت في الأصل أغنية إذاعية ولكن تعرض في التلفزيون من خلال مشاهد رمضانية مختلفة، وربما الكثير منا يحفظ بعضا من كلماتها والتي أبدع الراحل المطرب «محمد عبد المطلب» في أدائها:
رمضان جانا وفرحنا به
بعد غيابه وبقاله زمان
غنوا وقولوا شهر بطوله
غنوا وقولوا
أهلاً رمضان.. رمضان جانا
أهلاً رمضان.. قولوا معانا
أهلاً رمضان جانا
بتغيب علينا وتهجرنا وقلوبنا معاك