د. أحمد الفراج
وأخيراً، حدث ما لا بد منه، واضطرت المملكة أن تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع دولة قطر، بعد أن استنفدت كل الحلول الممكنة، والمشكلة مع قطر ليست جديدة، فقد عانت منظومة الخليج من سياساتها التآمرية لفترة طويلة، وسبق أن تم سحب السفراء، وتعهدت قطر حينها أن تتوقف عن المشاغبة، ولكنها لم تلتزم بالمواثيق المكتوبة، وعادت إلى ممارساتها التشغيبية بشكل مكثف، وجاءت الطامة أثناء زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، إلى المملكة، فقد تصرفت قطر بعدوانية واضحة، ونشرت وسائل الإعلام المحسوبة عليها مقالاً لوزير خارجية إيران، تضمّن إساءات بالغة للمملكة، ثم عقد لقاء قطري مع رمز الإرهاب، قاسم سليماني، قيل إنه تم إطلاعه من خلاله على ما تم في قمم الرياض التاريخية، فلم يعد هناك مجال لحسن الظن، وقررت المملكة قطع العلاقات، وشاركها في هذا القرار بعض الحلفاء، فالكي هو آخر العلاج.
وفي خضم هذه الأزمة، التي انتهت بقطع العلاقات مع قطر، التي تخصص ساستها بتمزيق لحمة الخليج، اتضح جلياً أنّ الحزبيين السعوديين لا يعترفون بوطن، فقد كتبوا، علانية وبلا مواربة، أنهم يقفون ضد وطنهم، ولم يكتفوا بذلك، بل أخذوا يدافعون عن قطر، وإن كنت تظن أن هذا هو كل شيء فأنت واهم، فقد تجاوزا كل الحدود، وشنوا حملة شعواء على الوطنيين السعوديين، بدءاً برؤساء تحرير الصحف السعودية ومديري القنوات التلفزيونية، وليس انتهاءً بالكتّاب، والمثقفين، والمغردين، لا لشيء، إلا لأنهم وقفوا، ولا زالوا يقفون، في صف بلادهم، ولا أظن أنّ الحزبيين السعوديين كشفوا عن أنفسهم بهذا الوضوح من قبل، وبكل جرأة تصل حد الوقاحة.
ومع ذلك فإنني متفائل بأنّ القيادة أدركت خطر الحزبيين الحقيقي، خلال هذه الأزمة، ولذا لا يراودني شك في أنّ قواعد اللعبة ستتغير، فمن يعلن عداءه لبلاده، والوقوف بصف بلد آخر، وبهذا الشكل المستفز، لا يستحق أن يكون جزءاً من حسابات الوطن، وأختم بهذه الحكاية: «ذات يوم أراد أحد الخونة أن ينافق نابليون، فنقل إليه أسراراً عسكرية حيوية عن استعدادات جيش بلاده، استقبلها نابليون بسرور بالغ، وقد ساهمت هذه الأسرار فيما بعد في تحقيق الانتصار لنابليون في الحرب، وبعد الانتصار، استقبل نابليون ذلك الرجل بجفاء، وأخذ كيساً من المال، وألقاه إليه، دون أن يترجّل عن ظهر حصانه، فقال له الخائن: لا حاجة بي إلى المال، وأمنيتي هي أن أصافح الإمبراطور، فقال له نابليون: من يخون وطنه، وينافق أعداءه على حساب شعبه له المال فقط، أما يد الإمبراطور فإنها لا تصافح إلاّ الأشراف المخلصين»، وأنا على يقين بأنّ يد القادة السعوديين لن تصافح إلاّ أيدي الشرفاء المخلصين!.