فضل بن سعد البوعينين
يبدو أن حكومة قطر لم تستوعب حجم الكارثة الاقتصادية؛ والعزلة الدولية المتوقع حدوثها بسبب قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق المنافذ البرية والجوية والبحرية لجيرانها المباشرين؛ وما قد تسفر عنه الأيام القادمة من إجراءات مماثلة من دول أخرى قد يتفاجأ الجميع بدخولها دائرة المقاطعة الدبلوماسية والتجارية والمالية.
ما زال هواة التحليل السياسي والاقتصادي؛ والمحرضون العرب يمارسون هواياتهم على قناة الجزيرة؛ ويستبعدون العزلة الدولية والانكشاف الاقتصادي القطري؛ برغم الإجراءات الصارمة المتخذة ضدها. فهدفهم إشعال الخليج وبث الفتنة وتفكيك دوله وحمل الحكومة القطرية على المكابرة وعدم التقيد باتفاقيات مجلس التعاون؛ والمواثيق الدولية المُجَرِّمة لدعم وتمويل الإرهاب؛ ما يجعلها في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي.
حذرت «سيتي غروب» العالمية «من المخاطر الكبيرة على وضع قطر المالي والاقتصادي في حال استمر قرار قطع العلاقات معها على المدى الطويل». وأحسب أن الأثر المالي والاقتصادي مرشح للظهور على المدى القصير عطفًا على المتغيرات السياسية واتساع رقعة المقاطعة؛ وتأييد تلك الإجراءات من دول كبرى ما يعد مؤشرًا لدخولها دائرة المقاطعة مستقبلاً إذا لم تتوقف قطر عن دعم وتمويل الإرهاب.
أما الحكومة القطرية فقد استمرت في ربطها بين الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية والمالية المتخذة ضدها؛ وبين السيادة القطرية واستقلالية قرارها السياسي؛ وهو تضليل يُهدف من خلاله إلى كسب الرأي العام القطري والخليجي والتغطية على أصل الأزمة المتمثلة في دعم وتمويل الإرهاب والإضرار بدول الخليج والمنطقة العربية. المراهنة على كسب الرأي العام لم تعد مجدية مع وجود تحركات عملية على أرض الواقع؛ تعتمد في أساسياتها على الحقائق والأدلة المادية؛ وتستمد شرعيتها من تأييد دولي غير مسبوق مدعومًا بتشريعات وأنظمة مكافحة دعم وتمويل الإرهاب العالمية.
لم يعد الجدل الإعلامي والسياسي مؤثرًا في حضرة الإرادة الدولية؛ وانكشاف ملفات دعم وتمويل الإرهاب؛ ويئس المجتمع الدولي من تغيير قطر سياساتها العدائية المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية المختلفة. أصبحت الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة الأمريكية أكثر إصرارًا على وقف تمويل الإرهاب ومواجهة الدول المنخرطة فيه.
الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب وجه أصابع الاتهام إلى قطر في تمويل الفكر المتطرف وطالبها بالتوقف عنه، واعتبر عزل قطر بداية نهاية الإرهاب.
المتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، شدد على أن «رسالة الرئيس ترمب حول التعامل بشدة مع تمويل الإرهاب والتطرف تم تلقّيها بشكل جيّد في المنطقة، والولايات المتحدة تريد حلاً للأزمة فورًا بما يتناسق مع المبادئ التي وضعها الرئيس حول ضرب تمويل الإرهاب والتطرف». رسالة واضحة لم تتلقفها الحكومة القطرية بعد؛ ما جعلها تمضي في خطها الجدلي؛ غير مكترثة بمآلات الأمور وخطورة الموقف. نجحت وزارة العدل الأمريكية في فرض غرامات مالية بعشرات المليارات على بنوك أوروبية لأسباب مرتبطة بغسل وتمويل الإرهاب؛ دون أن تتحرك تلك الدول لحماية مصارفها أو اقتصادها من السطوة الأمريكية؛ وتمكنت أيضًا من تجميد أرصدة دول ومنعتها من التعامل بالدولار؛ بسبب تلك الجرائم الخطرة ومن غير المستبعد أن يتطور الموقف الأمريكي تجاه قطر إن لم تلتزم بالقوانين الدولية ذات العلاقة بتمويل الإرهاب؛ وهو ما يستوجب التنبه له قبل حدوثه. صديقك من صَدَقك لا من صدقك؛ وما قدمته السعودية ودول الخليج من نصح لقطر خلال 22 عامًا إنما جاء حرصًا عليها وعلى شعبها؛ وهي لم تُحمَل على اتخاذ إجراءات المقاطعة الأخيرة إلا بعد أن يئست من تجاوب حكومة قطر؛ والتزامها وقف دعم وتمويل التنظيمات الإرهابية والقنوات الإعلامية المحرضة والناشرة للفكر المتطرف. وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أشار إلى أن الإجراءات المُتخذة ضد قطر، هي لمصلحة قطر أولاً ومصلحة المنطقة. أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أكَّد «أن أبوظبي والرياض تدفعان نحو تغيير سياسة قطر لا نظامها» تحقيقًا لأمن واستقرار منطقة الخليج.
عودًا على بدء؛ فمحور الخلاف الذي حمل السعودية والإمارات والبحرين وعدد من الدول العربية والإسلامية على قطع علاقاتها مع قطر مرتبط بقضية دعم وتمويل الإرهاب وزعزعة أمن دول المنطقة وممارسة دور «العميل المزدوج» في جميع القضايا الخليجية والعربية؛ وليس «السيادة واستقلالية القرار» كما تدعي حكومة قطر ومنظومتها الإعلامية. استمرار التجاهل القطري لأصل القضية يعني رفضها الالتزام بالحلول المطروحة؛ واسطفافها في صف أعداء الأمة؛ ما قد ينذر باتخاذ إجراءات دولية أكثر تشددًا وإيلامًا؛ وهو ما لا نتمناه للشقيقة قطر.