علي الصراف
تخطئ «صناعة القرار» في قطر كثيراً، لو ظنت أنها تستطيع أن تحصل على حماية أفضل من الحماية التي يوفرها مجلس التعاون الخليجي.
هذا المجلس، هو مجلس الأمن الحقيقي لكل دول المنطقة. وقادته هم صناع القرار فيه، لا أحد آخر، ولا شريك لهم فيه، ومصالح دولهم تأتي فوق وقبل كل شيء. وما تلك المصالح بينهم، إلا مصالح مشتركة، صنعها التاريخ، وصنعها التقارب الطبيعي، الاجتماعي والسياسي، كما صنعتها المحن والتجارب الصعبة.
والمرء لا يستطيع أن يضحي أو يغامر بكل هذا، إذا مال إلى الحكمة.
تخطئ قطر كثيراً (وأعني تلك «الصناعة»)، لو ظنت أن أحداً في دول هذا المجلس يرغب أو يريد أو يستفيد من الإضرار بمصالحها، أو المس بكرامتها الوطنية أو كرامة شعبها.
كل أبناء هذا المجلس، بعد كل قادته، يحترمون قطر وشعبها وقادتها، لأنه انعكاس بسيط، وطبيعي، ومباشر، للاحترام والتبجيل القائم فيما بينهم هم أنفسهم.
إنه احترام نابع من مشاعر الأخوة العميقة التي صنعها التاريخ والتقارب والمحن..
تخطئ قطر كثيراً لو ظنت أن التميّز والاختلاف يسمح لها بكل شيء. الشراكة، أي شراكة في الدنيا، لا تسمح لأي شريك أن يتصرف بمعزل عما يراه الشريك الآخر خطيراً أو ضاراً أو يشكل تهديداً له. وبالتالي، فمثلما أن للحرية حدوداً (تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين) فإن للتميز والاختلاف حدوداً أيضاً (ينتهي عندما يبدأ أمن الآخرين).
والمرء لا يستطيع أن يتجاهل ما قد تشكله خياراته المختلفة من تهديد، من دون أن يتوقع امتعاضاً على الأقل.
تخطئ قطر كثيراً لو ظنت أنها تستطيع أن تعيش حياة طبيعية بمعزل، أو بالضد، أو بمناكفة، أي طرف خليجي آخر. أمور التعاون لا تستقيم على هذا النحو. والشعور بالاكتفاء الذاتي، وبالقدرة على عمل ما نراه، بصرف النظر عن انطباعات الشركاء الآخرين وما يرونه جوهرياً لأمنهم، إنما ينخر قارب التعاون، ليُغرق الجميع.
تخطئ قطر كثيراً لو ظنت أن الرهانات السياسية، حيال هذا الطرف الدولي أو ذاك، أو حيال ما قد يتبدل فيه، تصلح أن تكون هي الأساس الذي يرسم معالم الخيارات المختلفة. الرهانات نوع آخر من القمار، وهو خطير جداً، السياسات الحصيفة، لا تنبني على رهانات أو تقديرات، وإنما على أسس وعلى علاقات والتزامات مؤسسية.
تخطئ قطر كثيراً لو ظنت أنها تستطيع أن تكون جزيرة قائمة بذاتها، أو أنها تنطوي على معنى مختلف، هويتها الحقيقية هي بحد ذاتها هوية مشتركة، ومعناها الحقيقي، هو ما يفهمه الآخرون، ولهذا السبب، يحسن أن يكون مقبولاً، لكي يستمر التعايش.
تخطئ قطر لو ظنت أنها تستطيع أن تبني جسوراً عبر البحر، بينما تهدم جسور التواصل المادي مع شركائها الطبيعيين، هذا خيار أقل ما يمكن أن يقال فيه، إنه خيار عجيب.
تخطئ قطر كثيراً لو ظنت أن السلبية السياسية حيال قضايا المنطقة، والمناكفات حول الديمقراطية والتغيير والثورات والفوضى وقول الرأي الآخر، يمكنها أن تصنع عالماً مثالياً، أو يعطيها مكانة خاصة فيه. هذا وهم.
الفوضى لا تصنع بدائل قابلة للعيش، إنها تصنع دماراً فقط، وهو دمار لا يؤسس للديمقراطية ولا للتغيير ولا هم يحزنون، إنه يؤسس للأحقاد والانهيارات التي لا طائل من ورائها.
تخطئ قطر لو ظنت أن القصة في السياسة الإعلامية هي صنع الضجيج والمجادلات الفارغة.
الإعلام لا يكون إعلاماً جديراً بقيمته ما لم يكن ذا طبيعة بناءة، المسألة مسألة هدف؛ نقطة بناءة نصل إليها، وليس تلة خراب نقف عليها، التخريب أو صنع الفوضى وإثارة الضجيج ليس هدفا، ولا يصح هدفا، ولا يخدم حتى صانعيه.
يمكن للمرء أن يفترض أن النوايا وراء كل ما تخطئ فيه قطر، قد تكون ما تكون، إلا أن المرء لا يكون عاقلاً، إذا اندفع بها ليهدم على رأسه سقف البيت.
جدير بصناعة القرار في قطر أن تعيد النظر جذرياً، وبكل تلك المسالك، إن لم يكن من أجل التضامن الخليجي، فمن أجل سقف البيت القطري الذي انهار بعد قطع المملكة والإمارات والبحرين ومصر وغيرها العلاقات الدبلوماسية معها.