سلمان بن محمد العُمري
كتبت قبل مدة ليست بالقصيرة، وتحديداً قبل أربعة عشر عاماً عن تمادي وتجاوزات «قناة الجزيرة»في إثارة الفتن والضغائن بين الدول العربية والإسلامية بصفة عامة، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، وطرحت حينها مجموعة من التساؤلات لعل وعسى أن تجد ممن لديهم من العقول والأفهام لإصلاح ما يمكن إصلاحه من هذه القناة، وعلى الرغم من مضي السنين الطويلة إلا أن القناة لم يصلح حالها بعد، واستمرت في تماديها وتجاوزاتها، وأمام استمرارها في العنت والصلف تجاه بلادنا وغيرها من البلدان أكرر طرح التساؤلات بـ «لماذا»؟
لماذا خابت آمالنا في أن ينجح الإعلام الفضائي العربي في لمّ شمل الأمة، والدفاع عن قضاياها الكبرى، تلك الآمال التي راودتنا جميعاً، مع ظهور القنوات الفضائية العربية، وتزايد أعدادها يوماً بعد يوم!!.
ولماذا أصبحت كثير من هذه القنوات وعلى رأسها (قناة الجزيرة) التي حققت شهرة كبيرة تكرس للخلافات العربية-العربية، وتسكب الزيت على النار، وتجدد نزاعات، وتثير نعرات كانت قد توارت، فتزيد العلاقات العربية توتراً والهوة بين الأشقاء اتساعاً وعمقاً.
لماذا ترفع هذه القناة - التي تثار حولها الشبهات من آن لآخر - شعار الحرية الإعلامية - وتفسح في برامجها مساحات لأشخاص هم أبعد ما يكونون عن قضايا الأمة العربية والإسلامية، وأكثر ارتماءً ورتعاً في أحضان جهات معادية للإسلام والعروبة، ثم تضيق فضاءات الحرية للمخلصين الصادقين، أو تخرج بصورة مشوهة، أو لا تعطي الحرية، والوقت الكافيين.
هل حقاً تجري في عروق القائمين على هذه القناة المشبوهة هموم المسلمين؟ وهل حقاً يريدون لها العز والمجد والسؤدد؟
وهل إشعار نارالخلافات، وتفجير مكامن الفرقة سبيل لتحقيق ذلك العز؟ وهل يمكن لحضارة أن تشاد من خلال تأليب الشعوب ضد قياداتها، وتزيين الفوضى في نفوسهم.
وهل من وسائل تحقيق النهضة أن تتولى هذه القناعة إشاعة الفرقة، وتمزيق الصف الواحد، والمجتمع الواحد ليكون شيعاً وأحزاباً يلعن بعضهم بعضاً، ويكيد بعضها لبعض؟
وهل من خدمة الأمة أن تصبح القناة بوقاً لكل ناعق ونافذة لكل مارق ناقم يقصد تدمير مجتمعه إشباعاً لأهوائه؟
هذه الأسئلة الكبيرة، تفرض نفسها من آن لآخر دونما إجابة، فكثير ممن يتحفظون على توجهات (قناة الجزيرة) ويشككون في مصادر تمويلها، يخشون إعلان ذلك، حتى لا يتهمون برفض الحرية الإعلامية، واحترام الاختلاف في الرأي، وغير ذلك من الشعارات التي يصدق فيها أنها كلمة حق أريد بها باطل، وآخرون ممن أدركوا خطورة توجهات (قناة الجزيرة) فضلوا الصمت على الاصطدام بها، خوفاً من تذبذب مواقف الدول والأنظمة منها، فاليوم يفتح مكتبها في هذا البلد أو ذاك وغداً يغلق.
إن ثمة فارقا قد يبدو طفيفاً بين الحرية والفوضى، وخيطاً رفيعاً بين الحوار الهادف البناء وتفاعل الآراء وبين إثارة العداوة والبغضاء والفرقة والفتن تحت دعاوى زائفة اثبتت (قناة الجزيرة) ذاتها زيفها من خلال التركيز على بعض الأحداث وتجاهل الآخر، فالحرية لا تعرف الانتقاء، والحق لا يصبح باطلاً أو الباطل حقاً إلا عند من تحركه مصالح ليست بمنأى عن الشبهات!!
لقد ذكرت أن هذه التساؤلات طرحتها منذ مدة وهي أسئلة لاتزال قائمة، ونحن نرى الآثار السيئة لهذه القناة وغيرها مما يسمى بالربيع العربي وإثارة الفوضى الخلاقة التي دعا إليها من لا يريدون الخير لأمتنا وشعوبنا وتولى رعايتها هذه القناة وأمثالها.