عبدالعزيز السماري
أطلق أمام وخطيب مسجد قباء بالمدينة المنورة صالح بن عواد المغامسي رؤية متطورة خارج الخندق الطائفي في الخطاب السني، وذلك عندما شدد على أن أهل السنة والشيعة والإسماعيلية والأباضية مسلمون ومؤمنون، وأحرى وأولى ألا يكون بينهم اقتتال وسفك للدماء. لافتًا إلى أن هذا القول دين يتعبد الله به، وقد لا يجسر على هذا بعض العلماء.
يحاول البعض التقليل أو التأثير على ما قال به الشيخ المغامسي. ومهما حدث فإن ما قاله في برنامجه اليومي في ذلك اليوم يعتبر خروجًا إيجابيًّا عن تلك النظرة السوداوية في عيون الطائفيين، فما كنا ندعو له منذ زمن هو أن تسمو رؤى البعض عن سياسة التحريض والدعوة للكراهية الدينية، وإلى تقديم الخطاب الإيجابي، والعمل من خلال نظرة التسامح عند التعامل مع من يختلف معك.
كلما زاد التعصب الطائفي تزداد نبرة الخلاف والعزة بالإثم، ولو خرج الدرزي شكيب أرسلان في هذا العصر لما أصبح فقيهًا متخصصًا في علوم الدين حسب الاجتهاد السني، ولما درس الفقه الإسلامي في جامعة الأزهر، ولما اعتبره الكثير في الوقت الحاضر من علماء السنة، بالرغم من أنه لم يهاجم أو يختلف مع طائفته.
كان العامل الأهم في بروزه خلو الخطاب الديني في ذلك العصر من النبرة الطائفية ومن كراهية المختلف؛ فقد كان الجميع مسلمين في مناطقهم، ولم يتم تصنيفهم من أجل إقصائهم كما هو الحال الآن. كذلك تعلمنا من تلك الأجواء أن لغة التسامح تفتح الباب للمراجعات ولتقديم الرؤى الخالية من نبرة التعصب والكراهية.
لهذا السبب كان خطاب الشيخ المغامسي قفزة إلى الأمام، وعلينا أن نحتفل به؛ فقد كانت نظرته تمثل الدين القويم الذي يدعو للمحبة والسلام والتسامح، ولا يجيز القتل وهدر الدماء باسم الدين، كما يحدث الآن في سوريا والعراق واليمن.
هذا الخطاب سيكون مقدمة للخروج من استغلال الدين في السياسة، ولإخراج بعض الفقهاء من دور المحرضين في السياسة وشؤونها. ولعل التجربة الإيرانية في ولاية الفقيه دليل على أن البعد الطائفي في السياسة يعني إقصاء الآخرين والمخالفين عن حقوقهم المشروعة، وأي مشروع آخر يقوم على البعد الطائفي سيكون نسخة مكررة من النظام الديني أو ولاية الفقيه في إيران.
يهاجم البعض ولاية الفقيه في إيران على أنها طائفية نتنة، تقصي الطوائف الأخرى، لكنها في حقيقة الأمر مرآة للعقل السياسي الطائفي في مختلف المجتمعات، فأي حراك سياسي يقوم على البعد الطائفي سيكون له مرجعية فقهية على غرار ولاية الفقيه من أجل حماية مصالح الطائفة الأكبر.
التجربة العمانية في تجريم الطائفية جديرة بالاهتمام، فأن تسأل الرجل عن مذهبه أو طائفته فذلك مخالف للقانون في سلطنة عمان، وسؤال قد يعرض السائل للمعاقبة القانونية، وهو قانون قد اتخذته السلطات العمانية لتحمي دولتها وشعبها من إعصار طائفي يجتاح العالمين العربي والإسلامي، فقد اختصرت عمان طريقًا شاقًّا وطويلاً حينما جرمت الطائفية والمذهبية، وكانت النتيجة مجتمعًا مسالمًا وخاليًا من جرائم الإرهاب والعنف.
أيضًا كان مشروع مساجد مشتركة بلا طائفية إقرارًا لمبدأ التعايش السلمي في عمان؛ فالمسجد مكان للعبادة لمختلف الطوائف، ولا يوجد مسجد مخصص لأهل السنة وآخر للأباضية أو الشيعة، لكنها مساجد لعبادة الله - عز وجل -، وليس لتقديس الأشخاص أو لتقسيم المجتمع، ويصلي فيها الجميع بلا تفرقة أو خلاف، وكانت النتيجة وحدة اجتماعية وألفة وتعايشًا في الدولة الخليجية.
لم تحدث تلك الحالة من السلم الاجتماعي في عمان بدون تدخل مباشر للسلطة في سن القوانين التي تجرم الطائفية، وفي منع الوعظ الذي يثير الكراهية والفتنة الدينية؛ ولهذا يستحقون الإشادة بما أنجزوه، ويستحق شيخنا الجليل المغامسي الإشادة بما قاله في هذا الشهر الفضيل. وكم نحتاج لمثل هذه الرؤى للخروج من نفق مظلم عاش فيه المسلمون في كراهية وبغضاء وفرقة لقرون عديدة. الله المستعان.