د. فوزية البكر
أظن أن الكثير من المواطنين السعوديين أصيبوا بالحيرة ثم القلق، ثم اضطروا أخيراً إلى المتابعة الجادة لكل هذه الحروب الإعلامية القائمة منذ عشرة أيَّام بين بلادنا ودولة قطر.
أتوقع أن الكثيرين لم يقدِّروا في البداية أن الأمر بهذه الجدية، وتوقعوا أنه مجرد رد فعل تعودنا عليه خلال سنين، خاصة مع السياسات المحافظة التي تنتهجها المملكة دائماً في مثل هذه الأمور، غير أن الأمر أسفر عن أكثر من مجرد مماحكات إعلامية تقودها صحف البلدين، لينبئ عن صراعات حقيقية متراكمة خلال عقود من محاولة المملكة التهدئة ولعب دور الشقيقة الأكبر والأكثر تأثيراً، بحكم كافة العوامل الدينية والجغرافية والديموغرافية والسياسية التي حباها الله بها، لكن يبدو أن اللاعب الأصغر لا يتعلم أبداً!
الأمر إذن ليس فقط (قناة الجزيرة) وافتراءاتها التي كانت تحاول طبعها بطابع الموضوعية والعلمية والمصداقية التي تلاشت تدريجياً في أذهان المتلقين الملتزمين سياسياً وثقافياً؛ بعد تكشف الأدوار الخفية التي كانت القناة تلعبها لسنوات، ومن خلال اللاعبين البارزين من الجماعات الإسلامية المسيسة والذين كانوا يديرون لعبتهم في الخفاء وراءها، وهم قد وجدوا مرتعاً هنيئاً مليئاً بالمال وقلة الخبرة، لكنه أيضاً طموح للعب دور، أي دور دون تبصُّر وقراءة معمقة للتاريخ القريب والبعيد، الأمر الذي دفع دولة صغيرة في كل شيء مثل دولة قطر لتبني جماعة الإخوان المسلمون، رغم أنها من الجماعات الإسلامية الشرسة التي كتب تاريخها بدقة منذ ظهورها على يد مؤسسها حسن البنا ثم منظرها سيد قطب، كما أن القاصي والداني يعرف كيف لعبت هذه الجماعة بأيدٍ شيطانية في تاريخ مصر وبانتهازية موثقة تاريخياً؛ لتحقيق مصالح بقائها والعمل لأهدافها النهائية في تحقيق دولة الخلافة، حتى لو دمَّر ذلك كل دويلات العالم الإسلامي، كما فعلت أياديها القذرة في كل مكان وصلت إليه، فكيف يمكن لدولة شقيقة خليجية مثل قطر تعرف أنه لا يمكنها البقاء في بحر العواصف الهائجة إلا بنصرة شقيقاتها الخليجيات أن ترتمي في أحضان الشيطان؟
أسئلة كثيرة من هذا النوع تختمر في عقول العامة البعيدين عن صانع القرار، وهم يجهلون الكثير من بواطن الأمور، لكنهم يعرفون تماماً أن بلادهم خط أحمر لا يمكن المساس بأمنه حكومةً وشعباً، وهم تعودوا على سياسات حكيمة وبخطوات ثابتة دائماً في مواجهة (صهيل) البعض، ولذا حين تقرر دولتنا الخروج عن صمتها المألوف وقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر ضمن دول أخرى بينها الإمارات ومصر والبحرين، واتباع سياسة التشريح للعدو المتستر، فلا بد أن وراء الأكمة ما وراءها وسنكون جميعاً أفراداً وجماعات، صغاراً وكباراً حصناً منيعاً يحمي أمتنا ودولتنا وحكومتنا التي ستظل أبية وعزيزة إلى ما شاء الله.
الأدوار الرئيسة التي لعبها الإعلام في الأزمات المتتالية مع دولة قطر (وغيرها)، يجعل من الضروري تبني سياسات وطنية تولي موضوع الإعلام والتربية الإعلامية دوره المستحق، إِذْ كيف يحدث أنه ولا جامعة سعودية أو مؤسسة تعليمية تقدم مادة عامة لطلابها لتعليمهم كيفية التعامل مع هذه الفضاءات اللا محدودة من الإعلام التقليدي والجديد، وهو ما قد يؤدي إلى ضعف المعالجة (الذهنية) لكثير من الرسائل الإعلامية التي تصل إلى المتلقي من مواطنينا، خاصة الشباب الذين يقضون وقتاً أطول من أي شعب آخر في استهلاك الميديا.
من الضروري تعليم مواطنينا التقنيات التي يستخدمها الإعلام لتوصيل رسالته بما يشكل وعياً لدى المتلقي بهذه الرسائل، كما يرفع لديه درجة الحساسية الناقدة تجاه أنواع الرسائل التي يطرحها الإعلام المحيط.
نحن نعيش اليوم في عالم معقد، ولا نملك إلا أن نعلِّم الأطفال والكبار كيف يعيشون ويفهمون ويحللون الأحداث المحيطة بهم، وإذا لم نعلمهم هذه المهارات فنحن نعمل على تشكيل جيل من المواطنين الجهلة والمستهلكين غير الناقدين الذين يسهل السيطرة عليهم من قبل آخرين أو أجهزة إعلامية مثل قناة الجزيرة أو حتى البي بي سي.
حمى الله وطننا وأعز القائمين عليه حكومةً وشعباً، وأمد الله حكامنا بالقوة والحكمة لشق عباب الأمواج الهائجة من حولنا، وحفظ الله هذا الوطن آمناً مستقراً.