علي عبدالله المفضي
مع تقدم الحياة وتطور الحضارة وتسارع عقارب الساعة نحو المزيد من الرفاهية والراحة وتسابق العلماء والمبتكرين نحو ما يختصر الوقت للوصول إلى مبتغى الإنسان ومحاولة اختزال كل شيء سعياً لراحته وتقديم أفضل الخدمات له إلا أنه من البديهي أن يكون ذلك مرهوناً بقدر ما يقدمه مقابل تلك الخدمات من مال.
ولكن المشكلة التي لا يقف عندها الإنسان وهو يستمتع بما يقدمه له العلم غفلته عن الثمن الأكبر الذي يقوم بدفعه دون أن يعلم أو يحس بذلك، انه زحف المادة على ربيع الروح وتحويل جزء قيّم من الطبيعة الإنسانية إلى ما يشبه الآلة وسلبه أجمل ممتلكاته وأكثرها أهمية، وفي زمن كانت المادة اقل طغيانا لم يكن الناس بحاجة إلى هذا الكم الهائل من العيادات النفسية ودخول من لا علاقة له بالطب والعلاج النفسي إلى عالم الطب من خلال الدجل والخرافة وادعاء قراءة الطالع وتحقيق المستحيل.
ولأنه ليس من العدل أو الحصافة التعميم أن المجتمع بمجمله فقد سماته الإنسانية أو كاد فلا زال هناك من يتناول الحضارة بتوازن جميل حيث يساير كل جديد ويتعامل معه بحسب الحاجة مع حماية نفسه من فقدان طبيعتها حيث يكرس ويعزز الجوانب الإيمانية بداخله ويحمي العلاقات الإنسانية من التلف وعوامل التعرية بالتواصل والتمسك بكل ما يقربه من المحبط العائلي والتفاعل مع المجتمع بحب وصدق والحرص على ما يقضي على الغربة التي يولدها طغيان المادة.
ومن أجمل ما يقاوم به الإنسان تصحر المشاعر مجالسة الأحبة من الأخيار والسياحة بين معالم أنفسهم وحدائق قلوبهم الغناء وكنوز عقولهم بما خف حمله وزاد ثمنه.
وقفة لراكان بن حثلين:
ياما حلا الفنجال مع سيحة البال
في مجلسٍ ما فيه نفسٍ ثقيلة
هذا ولد عمٍ وهذا ولد خال
وهذا رفيقٍ ما لقينا مثيله.