محمد أبا الخيل
في مثل هذا الشهر من عام 1995م قام الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني حينما كان ولياً للعهد في قطر بتدبير إنقلاب على والده أمير قطر حينها الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني واغتصاب الحكم ونفي الوالد خارج الإمارة، منذ ذلك التاريخ أصبحت قطر في دوامة من المواقف السياسية المتخبطة فتارة تتأمر على دولة مجاورة وتارة تبحث عن دورعالمي يفوق حجمها السياسي والجغرافي وتارة تستميل منظمة مشبوهة وتارة تستجيب للعقل وتلتزم بحسن الخلق أو هكذا تدعي، ثم لا تلبث حتى تعود لما كانت عليه، هذا التخبط في السياسة القطرية كان استجابة لطموحات وتصورات الشيخ حمد بن خليفة والتي ما لبثت حتى تماهت مع تطلعات وزير خارجيته الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، وأصبح الاثنان ثنائي أذى وتعدٍّ وتآمر على الجيران ومنهم أبعد من ذلك فنازعت قطر مصر في شئونها وتدخلت في الشأن الفلسطيني لا لتنصر قضيتهم ولكن لتؤجج الخلاف بين حماس وفتح، وفي كل مرة تواجه قطر من شركائها في مجلس التعاون بحقائق مشاغباتها السياسية تتعهد بأن لا تعود لها ثم ما تلبث (أن تعود حليمة لعادتها القديمة)، إلى أن تسرب التسجيل المشهور للقاء معمر القذافي والشيخان (حمد وحمد)، والذي لا يدع مجالاً للشك بما يضمره (حمد الجزيرة حمد) من مخططات عدوانية لوحدة المملكة العربية السعودية، وقد تزامن ذلك التسجيل حينها بانكشاف مؤامرة القذافي لاغتيال الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- والتي كانت مساهمة منه في ضرب وحدة المملكة السياسية، وقد يجول بخاطر المحلل للعلاقات القطرية الليبية حينها أن لا يستثني ضلوع أو على الأقل علم (حمد الجزيرة حمد) بتلك المؤامرة قبل انكشافها.
وفي مثل هذا الشهر من العام 2013 م تنازل الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عن حكم قطر لولده الشيخ تميم، وقيل حينها أن ذلك برغبة الشيخ حمد، ولكنْ العارفون ببواطن الشأن القطري يعرفون أن الشيخ حمد كان مجبراً على ذلك بضغوط هائلة من خارج دولة قطر، ولم يكن لديه خيار سوى ذلك التنازل أو خسارة الحكم برمته لجناح آخر في عائلة آل ثاني، وكان من بين الشروط التي بها أجبر الشيخ حمد على التنازل هو انفصام التحالف (حمد الجزيرة حمد)، لذا اختفى بعدها الشيخ حمد بن جاسم عن الأوساط السياسية وبات في معظم وقته خارج قطر.
ظن المتفائلون من المواطنين القطريين وجيرانهم في دول مجلس التعاون أن ذلك التنازل سيعيد قطر وسياستها لرشدها، ولكن ذلك التفائل تبخر سريعاً بعد أن تبين أن الشيخ تميم بن حمد هو مجرد واجهة وأن من يحرك السياسة القطرية هي مجموعة قوى خفية، وأن تلك القوى لا تنسجم في تطلعاتها لدور السياسة القطرية في كثير من الأحيان، وهذا ما يفسر التخبط والتشتت في مواقف الحكومة القطرية، فمن تلك القوى الشيخ الوالد (حمد) والذي وجد أن اللعب خلف الكواليس ممتع ومثير ومريح من الضغوط والمواجهات، كما أن الشيخة الولدة (موزة المسند) هي أيضاً إحدى تلك القوى بما لديها من تأثير وخصوصاً في المؤسسات الثقافية والاجتماعية وارتباط كثير من تلك المؤسسات بتوجيهاتها المباشرة. ولكن الأخطر والأكثر تأثيراً في سياسات قطر الخارجية والموجه الحقيقي للنشاطات القطرية العدوانية للدول المجاورة ومصر وليبيا واليمن هو (راسبوتين قطر).
الشيخ يوسف القرضاوي (راسبوتين قطر) أصبح بما لديه من نفوذ تأثيري على صناع القرار في قطر وما لديه من قاعدة تنظيمية تبعية تتمثل في تنظيم الإخوان المسلمين في قطر، المؤلف من قطريين كثير منهم من شيوخ آل ثاني ووافدين من الفارين من بلدانهم التي أضروا بمصالحها وأمنها، استطاع يوسف القرضاوي منذ أن قدم لقطر في منتصف الستينات التخلل في مجتمع شيوخ آل ثاني واكتساب إعجاب جيل الشباب حينها وبعد أن حصل على شهادة الدكتوراه عام (1973) عهد له بتأسيس عمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر عام (1977)، ويتردد في أحاديث المجالس القطرية أن القرضاوي كان هو المحرض للشيخ حمد بن خليفة للانقلاب على والده وأنه بعد ذلك منح الجنسية القطرية، وبات يستجمع قوى تيار الإخوان المسلمين في البلدان المجاورة ويستقطب آخرين من بلدانهم لتكوين جبهة داخلية يعتمد عليها في قيادة السياسة القطرية، فالشيخ القرضاوي انظم لتنظيم الإخوان المسلمين في الستينات وبعد تحجيم التظيم في مصر وحظر نشاطاته وجد القرضاوي ضالته في فرصة تكوين نواة لدولة الإخوان في قطر، وكان يدير منظومة إخوانية تدعم الجماعة في مصر حتى استطاع بعد تنازل الرئيس حسني مبارك عن الحكم الوثوب وتنظيم الإخوان على قيادة الثورة الشعبية حينها وبالتالي الحصول على فرصة قيادة مصر الدولة، وبعد إقصاء الإخوان وعزل الرئيس (محمد مرسي) عن الحكم في مصر، نشط القرضاوي في توظيف المقدرات والسياسة القطرية في استعداء الدول المجاورة ودعم التنظيمات المسلحة في ليبيا وسوريا واليمن لتكوين بؤر تأثيرية تقود في المستقبل لتأسيس دولة الإخوان.
تخبط القيادة القطرية في سياساتها الخارجية بفعل استلاب قدرتها على تمثيل المصالح القطرية من قبل مراكز القوى جعل الشيخ تميم في وضع لا يحسد عليه فهو أمير دولة لا يحكمها، وهذا ما جعل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية والجمهورية العربية اليمنية تعلن بتزامن غير مسبوق عن قطع علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع قطر بعد أن ضاقت ذرعاً بالمشاغبات القطرية ودعمها لحركات تقويض وحدة البلدان المجاورة و الإرهاب.
الوضع الذي بات يطبق على دور أمير دولة قطر الشيخ تميم ويسلبه حقه الشرعي في إدارة الدولة القطرية بما يحقق طموحات الشعب القطري من قبل مراكز القوى يحتم عليه أن ينتفض ويقضى على تأثير تلك القوى وإن لزم الأمر أن يستنصر بالجيران لتحقيق لك، أو أن ينقاد لتلك القوى ويستسلم لها والتي ستقود قطر إلى حال لا تسر الشعب القطري ولا أشقاءهم في دول مجلس التعاون وبالتالي تحتم قيام عقلاء أسرة آل ثاني بتغيير قيادي في الدولة.