د. جاسر الحربش
انجذاب الإنسان إلى ما يضره لا يستند إلى جهل بالنفع والضرر، فأبسط العقول تعرف أن كثرة الدهون وزيادة الحلاوة أو الملوحة أو الطعم مؤذية للصحة، وتعرف أيضاً تلازم العافية مع الإجهاد والتعرض للشمس أكثر من الاستمتاع من الاسترخاء في الظل. في المسألة برمجة غريزية تسير مع سهم الزمن الذي يشير دائماً إلى خط النهاية. استخدام العقل فقط هو ما يجعل المسافة بين البداية والنهاية أطول والإنسان أقل عرضة للأمراض وأكثر إنتاجية، وذلك كله بقضاء الله وقدره.
أعود إلى الرفاهيات القاتلة في العنوان، وخصوصاً الطعام المرتبط بالصحة واللياقة والكفاءة الإنتاجية. كل العلوم الطبية تشير إلى أن الكائن الحي لا يحتاج من الغذاء سوى المكونات الطبيعية بكميات متواضعة وبدون أو بأقل كمية من الإضافات لتحسين الطعم. اليوم الذي بدأ الإنسان فيه يضيف السكر والملح والسمن والزيت إلى الأغذية الطبيعية لم يكن من أسعد أيام التطور البشري على المستوى الصحي. نفس النتائج تنطبق على ثنائيات الشمس والظل، الحرارة والتبريد، الإجهاد والاسترخاء، الشبع والجوع.
الخيول والحمر البرية والذئاب والقطط الوحشية ما زالت أقوى وأسرع من الخيول والحمر والكلاب والقطط المدجنة. بطولات السباق والجري والقفز العالمية يفوز بها عادة متسابقون ومتسابقات من دول فقيرة لا تعرف الشبع ولا الزيوت والسكريات. السبب في ذلك هو أن الحيوانات المدجنة دخلت مع الإنسان الحديث في دورة حياته اليومية، أي الغذاء الوفير والظل والإسطبل والإضافات الاجتهادية لتحسين الحياة. الرياضي المتسابق لصالح دولة فقيرة في مضامير القفز والجري يفوز لنفس الأسباب.
ليست قسوة سادية متعمدة أن أفضل الجيوش هي تلك التي تدرب أفرادها على تحمل الجوع والشمس والإجهاد إلى أقصى درجات التحمل. قد يكون الفارق في قوة التحمل هو الفرق بين النصر والهزيمة والحياة والموت. باختصار، الترف في الطعام والسكن والتبريد ووسائل النقل، هذه كلها رفاهيات مضافة إلى المواصفات الأصلية لطبائع الأشياء، وهي التي على سبيل المثال فقط سببت هشاشة العظام وضمور العضلات في بلد تشوي صحاريه الشمس. عندما يكون المفطح أمامك والحلويات بجانبك والسيارة عند الباب لا يبقى سوى أن تحكم عقلك.