عروبة المنيف
تفرض التغيرات الاقتصادية على المجتمعات طرقًا وأنماطًا معيشية تختلف عمّا كانت عليه في السابق، وعادة ما يتبعها تغييرات اجتماعية تتناغم مع تلك التبدلات الاقتصادية، فمع انحسار الطفرات النفطية وزيادة الاعتماد على الخصخصة واتباع سياسة تعظيم الإيرادات غير النفطية، كالزيادة في نسب الرسوم الخدماتية كالكهرباء والماء، أدى ذلك إلى انخفاض القيمة الشرائية للريال، فالدخل الفردي لم يتغير، وسلم الرواتب كما هو منذ عقود، بينما التضخم مستمر في أسعار السلع الاستهلاكية والخدماتية، كلها عوامل أسهمت بشكل مباشر في تغيير السلوكيات الاستهلاكية في المجتمع بشكل ملحوظ.
بالنظر إلى السلوكيات الاجتماعية المتعلقة بموضوع السكن تحديدًا، لقد أصبح التوجه الحالي لأفراد المجتمع، ولنقل الطبقة الوسطى، حيث الغالبية، هو البحث عن وحدات سكنية أصغر مما كان سائدًا أيام الطفرات النفطية، حتى إن بعض ساكني الفلل الكبيرة نوعًا ما قد ضاقوا من ارتفاع كلفة تشغيلها، ففواتير الخدمات العامة من كهرباء وماء وغاز قد ازدادت، وكلفة التنظيف والصيانة كذلك ارتفعت نتيجة لارتفاع تكاليف الاستقدام وأجور خدم البيوت، وهذا ما دعا نسبة كبيرة من مالكي تلك الفلل لعرضها للبيع والبحث عن وحدات سكنية أصغر بتكاليف تشغيل أقل.
إن المفاهيم الاجتماعية التي كانت سائدة في السابق بخصوص حجم المنزل واستقلاليته وسوره المرتفع وتوافر أساليب الترفيه الخاصة بكل منزل من حديقة ومسبح وخلافه قد بدأت بالتبدل، فالحالة الاقتصادية الميسرة سابقًا كانت هي المحرك والدينمو لعملية «البحبحة» في السكن، ولكن في وقتنا الحالي، وبموجب التغيرات الاقتصادية المعيشة، حصل تغيير في السلوكيات المجتمعية تجاه السكن، فتغيرت الرغبات والدوافع في الطلب على المساكن عمّا كان سائدًا، وعلى الأخص من قبل جيل العوائل الفتية التي تشكل النسبة الأكبر في المجتمع، فازداد الطلب على المساكن والوحدات الصغيرة في داخل المجمعات السكنية التي تتوافر فيها الخدمات العامة الترفيهية المنوعة من حدائق ومسابح ونوادٍ رياضية وحراسة أمنية، ليفاجأ السعوديون برفض إدارات تلك المجمعات السكنية التجارية الخاصة بإسكانهم فيها، فهي محتكرة للأجانب فقط، ويتم تنفير السعودي بأساليب خاصة متعارف عليها من قبل مديري تلك المجمعات كرفع أسعار تلك الوحدات السكنية عند اكتشاف هويته السعودية إلى مبالغ خيالية تعجيزية.
في ظل تلك الظروف ونتيجة للتغيرات الاستهلاكية تجاه نوعيةصص الطلب على المساكن، ينبغي على وزارتي الإسكان والشؤون البلدية والقروية تبني إستيراتيجية عمرانية جديدة، ترتكز على اتباع أنماط عصرية في فن العمارة، يتم فيها توجيه المطورين المعماريين وشركات المقاولات في بناء مجمعات سكنية وبمواصفات فنية محددة، كالأحجام المناسبة، وتوافر السلامة الأمنية، وأساليب الراحة، ومتطلبات الترفيه، من حدائق وملاعب للأطفال ونوادٍ رياضية للسكان، وذلك ضمن صروح عمرانية جميلة ومتناسقة. فالسعوديون لهم الحق كذلك في الاستمتاع بالسكن المناسب، في المجمعات السكنية اللائقة بهم كتلك التي يتمتع بها الأجنبي.