... والتاريخ حلّ بمقام ذكراه لما ترك من أثر تتعطر به الأخبار والسيرُ لا نقول وداعاً بل نقول إلى جنات الخلد.. لقد فقدت أسرتي منذ قريب أحد نجبائها ممن يعوّل عليهم جيلاً واعداً واعياً، فرغم يفاعته كان هو الشاب الشجاع الشهم (هشام)، مما دل عليه أثر (خير)، هو ما تركه محدثاً عنه كالعرف يوما فأغترف شواهد باقية تتحدث عنه آثار الأفعال، بل أحسبه احترفه ووطئ على ذلك همته التي اجتلبت معها نفسه فوسمت عنه بصمات كبيرة، ومما أذكر من صلاحه (ولا نزكي على الله أحداً) ورعه، شهامته، شجاعته، حبه للإنفاق طالباً للعلم يتفقد المساكين، يحترم الكبير ويرفق على الصغير، محاذاته لربه يخشاه سراً قبل العلن .. اسمحوا لي وقد توارى أن أسرح بشيء مما عرف عنه وربما اشتهر ...
1- الفقيد كان محباً لوالديه إلى درجة أن أمه حين تزوره وهو في عز مرضه، يدافع آلامه بكل ما يستطيع كي لا يرهقها أو يثخر من جراحها الداخلية عليه، فيطلق ما تخبئ مشاعره إزائها درجة أن قال لها (كأني أطير بالسماء) حين أشوفِك.
2- حبه للصدقة بطريقة ليس فيها استنقاص لمن يعطي بل يزيد بما يناسب حال السائل، وربما أعطى الألف لواحد منهم إن رأى العوز عليه بادياً وربما قدم مع عطيته الطعام.
3- أما المحتاجون ممن لهم تواصل سابق مع أبيه، فإن لهم مكانة خاصة ذكراً وبراً بالمرحوم.
4- حتى الطير لم ينقصها نصيب أعطياته فربما نثر الحب لمواضع يتوخى الطيور تجتمع بها.
5- كان .. وهذه من فرائد ما تجد بمثل سنّه وعهدنا ربما هم نوادر:
يختم كتاب الله بجلسة واحدة ( إذ يشرع به من بعد صلاة الفجر ويختم به مع صلاة الظهر)، وهذا كان قبل أن يخالط الداء جلده ولربما ( بالمناسبة) كان ذلك السبب الذي جعله يهجر الشعر.. رغم شغفه به
6-كان من مناقبه المشهورة وسطياً - محباً لولاة أمره لا يخالف الأنظمة ولا يبدي تبرماً حيالها و لا غرو.. فمن والده؟ إنه الشيخ يوسف (رحمه الله) الذي نتعلّم منه أن "طاعة ولاة الأمر فيها تعبّد لله".
7- بلغ بهمته لحب الخير الحرص على أدنى شعب الإيمان - إماطة الأذى عن الطريق، حدث شقيقه عبد العزيز إنهما وفي عودتهما من إحدى المراجعات الطبية، استوقف أخيه ثم من تلقاء نفسه نزل ليزيل صخرة كانت على الطريق (ولم يسأل عن مرضه).
8- حرصه على توصية أهله بمجالسهم الخاصة على تقوى الله ثم صلة الرحم.
9- هذا عدا ما كان يملك من الإبداع والتميز.. لسمو أخلاقه وجميل صفاته كذا نحسب ولربنا نحتسب، فتذكرت به ما نسجه سلفاً أبو تمام:
نفس عصام سوّدت عصاما ..
أي رفدته إلى أن أصبح وهو يافع (سيدا)
.. ثم لا غرابه فمن أبوه ؟ أكرر.. إنه العم الشامخ الشيخ (يوسف بن محمد المطلق) رحمهما الله..
ومهما قلت في الأب.. حدث عن بحر لا يُطال ساحله !
ولهذا يحمل الابن هشام كنظير لأبيه:
هل ينبت الخطى إلا وشيجه
وتغرس إلا في منابتها النخل
(.. النخل) ذاك الذي يحمل فرعاً باسقاً، وكذا كان الراحل يعانق بصنيعه عنان السماء، وختم صنيعه يوم غشاه الداء فجالد ذاته بل حتى حين استفحل كان من الصابرين غير الجازعين.
أرفع عزائي لإخواني أبناء العم كما لا أنسى أخواله (الطواله) بأن الله يجبر القلوب عليه ويا ابن العم لا نملك إلا الدعاء: ربي بلغه عليين واجعل قبره روضة من رياض الجنة عليه (الرحمات) تترى بنسائم غوادٍ رائحات.
** **
- ابن عمك/ عبدالمحسن بن علي المطلق