أ.د.سليمان بن عبد الله أبا الخيل
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد:
فلقد حبى الله عز وجل ومَنَّ على هذه البلاد المباركة الطاهرة بأن قيض لها رجالاً مخلصين، وقادة أوفياء، وحكاماً حكماء، فالمملكة العربية السعودية تزهو متفردة في نظام حكمها الصالح، وولاة أمرها الراشدين توالى على ذلك حكام آل سعود منذ أن أقام الدولة السعودية الأولى الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- حيث نصر دعوة التوحيد، فكان التجديد، وتنقية العقيدة مما شابها من بدع وخرافات، وانطلقت دعوة التوحيد، فأثمرت ولله الحمد ما نعيشه من نعم لا تحصى ولا تعد، وذلك مصداقاً لوعد الله لمن حقق توحيده، وحكم شريعته، ورفع راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى: «الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ» وقال سبحانه وتعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)، وقوله تعالى: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).
ومكن الله لهذه الدولة، وأعزها، وأعز بها دينه، ووقفت شامخة صامدة أمام المتغيرات والفتن والتحولات، والثورات والاعتصامات، حتى وصفت بما هي جديرة به من أنها حديقة في وسط حرائق وإعصارات، فالحمد لله على ما أولى وأسدى، وأعطى من الفضائل والكرامات، وهذا مالم يرق لدعاة الفتن والضلالات، وجماعات الغلو والتطرف واستغلال الأزمات، وعلى رأس تلكم الجماعات والتنظيمات، جماعة لطالما أبدى فيها الناصحون، وحذر منها المشفقون، وكشف مزايداتها وزيفها ولاة الأمر والعلماء، والمحققون، وكان بعض الناس يتحاشون الحديث عنها إحسانا للظن، وانخداعاً بالشعارات والتزييفات، فتمضي الأيام، وتثبت الخطر، وعظم الضرر، وقوة الأثر على مجتمات المسلمين بعامة وهذه البلاد بخاصة، وكان من أوائل من حذر منها الإمام المؤسس الباني الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه، وجعل لجنة مأواه- حينما عرض عليه التنظيم الدولي إقامة فرع لهم في هذه البلاد الغالية، فأدرك ببعد نظره، وحسه الأمني والفكري، وبصيرته عظم الخطر، وأمات هذه الفكرة في مهدها بذكاء ودهاء، وقال: «كلنا إخوان، وكلنا مسلمون» فذهبت مثلاً في استهداف البنى التحتية للأدلجة الفكرية لهذا التنظيم الخطير، وتوالى ولاة أمرنا وعلماؤنا على هذا الوعي بهذا الخطر، ولأمير الأمن الحكيم صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله- كلمة حينما وصفهم بقوله: «أقولها من دون تردد أن مشكلاتنا وإفرازاتنا كلها وسمها كما شئت جاءت من الإخوان المسلمين، وأقول بحكم مسؤوليتي إن الإخوان المسلمين لما اشتدت عليهم الأمور وعلقت لهم المشانق في دولهم لجأوا إلى المملكة وتحملتهم وصانتهم وحفظت حياتهم بعد الله وحفظت كرامتهم ومحارمهم وجعلتهم آمنين.
إخواننا في الدول العربية الأخرى قبلوا بالوضع وقالوا إنه لا يجب أن يتحركوا من المملكة. استضفناهم وهذا واجب وحسنة. بعد بقائهم لسنوات بين ظهرانينا وجدنا أنهم يطلبون العمل فأوجدنا لهم السبل. ففيهم مدرسون وعمداء فتحنا أمامهم أبواب المدارس وفتحنا لهم الجامعات ولكن للأسف لم ينسوا ارتباطاتهم السابقة فأخذوا يجندون الناس وينشؤون التيارات وأصبحوا ضد المملكة والله يقول: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}»، ثم انتهت هذه البصيرة بالأوامر السامية، والتوجيهات الكريمة، بتصنيف هذه الجماعة وروافدها وفروعها جماعة إرهابية.
وكان من أواخر من تحدث عن هذا الخطر الداهم الأمير النابه والسياسي المحنك، والقيادي الملهم، سليل المجد، ووريث العز ولي ولي العهد وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود التي خص بها التلفزيون السعودي، وتناقلتها عنه وسائل الإعلام العربية والعالمية.
والمتابع لما جاء في هذا اللقاء المهم، والمقابلة الثرية، والتصريحات والإجابات الموفقة والمسددة التي أوردها سموه الكريم وأوضحت عن شخصية واعية مدركة للأحداث والتحولات والمتغيرات، سائرة على نهج ولاة أمرنا الذين يجعلون أهم المهمات وأولى الأولويات التمسك بالثوابت التي قامت عليها هذه البلاد، والأصول التي بنيت عليها، منذ تأسيسها على يد الموحد الباني المؤسس العظيم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله, وجعل الجنة مأواه-, وحتى هذا العهد الميمون, والعصر المبارك عصر سلمان الحزم والعزم، سلمان الوفاء والمكرمات، رجل التأريخ وقائد التحولات الكبرى التي جنب الله بها وطننا العزيز فتناً عظيمة، فكانت قيادته وفترة حكمه الممتدة بإذن الله امتدادا للدور العظيم الذي قامت به هذه الأسرة الماجدة، وانطلاقاً من الإخلاص للدين والوطن.
ولعل أبرز ما جاء في هذه المقابلة الهامة من هذا الأمير الملهم الشهم، الحديث عن (إعلام إخونجي)، يروم تفرقة البلدان، ومحاربة مظاهر الصلاح والإصلاح، وما تابعه من وسائل إعلام مغرضة أو تنظيمات إرهابية وجماعات حزبية، فهذا التنظيم والجماعة الخطيرة رأس تلك الجماعات والأم التي فرخت التنظيمات الإرهابية، وكان لمبادئها وأفكارها التي تعاهد منظروها (الإخونج) على أن لاتظل مجرد أفكار، بل سيقدمون لها ما استطاعوا، ويحولونها إلى خطط عمل، إنها جماعة «الإخوان المسلمين» الإرهابية، وما تفرع عنها من تنظيمات، فهم وراء الأزمات التي تعيشها دول المنطقة، يحركون الفتن بكل وسيلة، لأنه لا يحكمهم مبدأ، ولا يمنعهم معتقد، فالغاية تبرر الوسيلة، وقد يجتمعون مع اختلاف الأفكار والأيديولوجيات إذا توحدت الغاية السياسية.
والباحث المطلع على فكر هذه الجماعة منذ تأسيسها على يد مؤسسها حسن البنا ومروراً بجماعة التكفير والهجرة التي خرجت من رحمها، وتشكلت من أبنائها، وحتى جبهة النصرة والجماعات التي تجرف شبابنا إلى ما يسمى بميادين الجهاد، يجد أن صلتها بتلك الجماعة وثيق، وأنها تفرعات لهذه الجماعة بصورة أو بأخرى، لأن من أسس هذه الجماعة أن الغاية تبرر الوسيلة، وأن ما يحقق هذه الغاية فهو مشروع ولو كان بالتعاون مع أي مخالف كما ذكرنا.
ولقد حذّرنا من هذه الجماعة الضالة التي هي أصل كل فساد وانحراف منذ ما يربو عن عقدين من الزمن، وبينّا خططهم وتنظيماتهم، ومزاعمهم، فهم يدسون السم في العسل، ويرومون الإفساد بطريق الإصلاح، عن طريق استخدام المجالات الخيرية، والتبرعات، وأوجه الإحسان، والجمعيات والمنظمات الدعوية، والتشويش على العامة والبسطاء للتغرير بهم وخداعهم، ومن ثم يصلون إلى التأثير السياسي، والمشاركات في التأثير في الدول، ومن ثم يفرضون ما يريدون، وتأريخهم في ذلك معروف مشهود، كفانا الله شرهم، وحمى بلاد المسلمين من فتنتهم وتلبيسهم.
إن المتأمل لهذه الجماعة يجد أنها هي أصل التنظيمات الإرهابية والمتطرفة التي عانى منها المسلمون قبل غيرهم كتنظيم القاعدة بفروعه، وداعش والتنظيمات القائمة الآن في سوريا كالنصرة وغيرها، وصلتها تأريخياً وفكرياً أمر يمكن إثباته بما لا يدع مجالاً للشك في خطورتها، وضررها وتبنيها لكل فكر إرهابي.
وما توافرت عليه من أفكار ومبادئ تغذي الفكر الأممي بصورته المنحرفة التي لا تعترف بالانتماء الوطني، بل إنها أفكار تدمر كل نبتة للمواطنة الصالحة، وانتماء للوطن وولاته، ليصبح الانتماء، حزبياً والولاء الفكري لقيادات الأحزاب والتنظيمات، والعمل الدؤوب لنصرة هذه الأفكار والتضحية لأجلها، وهذا شأن ليس بدعاً، ولا جديداً في شأن هذه الجماعة، فالمتأمل الراصد لحراكها يدرك بجلاء أنها آلية يتم بها التدرج في استغفال المجتمع والشباب على وجه الخصوص منذ فترة مبكرة وترتيبهم على هذا الولاء والانتماء وتعظيم قادتهم ومنظريهم.
ويبرز خطرهم وضررهم ما أفرزته الأحداث التي لم تقتصر على بلد أو ووطن وسرت إلى المجتمع الإقليمي والإسلامي والعالمي، فقد صار ديدنهم التشويش والإرجاف والفتنة، والضرب على وتر القضايا والنوازل والمتغيرات التي تمر بالعالم لتوظيفها لما يريدون والوصول إلى مقاصدهم ومراميهم، واستحلال كل ما يوصل إليها حتى لو بالكذب، ورغم البيان الذي أوضحه العلماء من أفكارهم، وبنوه على قواعد الشريعة ومقاصدها إلا أن العمل المؤدلج الذي يخدم الأفكار والجماعات المتطرفة دائماً ما يحاول فصل الشباب عن هذه الفتاوى وعن تأثير العلماء، بإلصاق التهم، وتحميل الأقوال والمواقف والفتاوى ما لا تحتمل، ليتم لهم ما أرادوا من تمرير أجندتهم تحت هذه الظروف المختلفة .
والتاريخ يشهد على ما يكنونه وما تنطوي عليه أفكارهم من خطر فأدلجتهم الفكرية جعلتهم يصطفون وراء كل جهد يستهدف أوطان المسلمين، وهذا الوطن الغالي خصوصاً، وعندما تتأزم الأمور وتدلهم الخطوب يصطفون مع أعداء الوطن، فهاهم أيام أزمة الكويت يصطفون مع صدام، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر سارعوا لتغيير جلدهم ليظهروا بمظهر المعتدلين في وجه جماعات الإرهاب التي هي في الحقيقة من مفرزاتهم، ووقفوا موقفاً شائها كالحاً من التمدد الصفوي الإيراني في بلاد العرب والمسلمين.
ورغم ما يعلنونه من براءتهم من جماعات التكفير والتفجير والغلو والإرهاب إلا أن الواقع يؤكد صلتهم بهذه الأفكار وخصوصاً المبادىء التي أعلنها مؤسس الجماعة، والمصطلحات التي تتكرر لديهم من الجاهلية، والحاكمية وهي أساس الأفكار التي تبشر بالخلافة زعموا، وتكون مبطنة بما يسقط شرعية الأنظمة، وتضليل الناس بذلك.
ومن هنا جاءت كلمة العلماء محذرة من هذه التحزبات التي توظف الدين لخدمة الأهداف السياسية, وأذكر هنا ما قاله بعض علماء أهل السنة فيهم:
قال العلامة أحمد شاكر رحمه الله متحدثاً عن اغتيال الإخوان المسلمين للنقراشي وزير الداخلية المصري وقت ذاك: (روع العالم الإسلامي والعالم العربي، بل كثير من الأقطار غيرهما باغتيال الرجل، الرجل بمعنى الكلمة، النقراشي الشهيد غفر الله له، وألحقه بالصديقين والشهداء والصالحين.
وقد سبقت أحداث، قدم بعضها للقضاء وقال فيه كلمته وما أنا الآن بصدد نقد الأحكام، ولكني كنت أقرأ كما يقرأ غيري الكلام في الجرائم السياسية وأتساءل: أنحن في بلد فيه مسلمون؟
وقد رأيت أن واجبًا عليَّ أن أبيِّن هذا الأمر من الوجهة الإسلامية الصحيحة؛ حتى لا يكون هناك عذر لمعتذر، ولعل الله يهدي بعض هؤلاء الخوارج المجرمين؛ فيرجعوا إلى دينهم قبل أن لا يكون سبيل إلى الرجوع, وما ندري من ذا بعد النقراشي في قائمة هؤلاء الناس!
أما القتل السياسي، الذي قرأنا جِدالاً طويلاً حوله، فذاك شأنه أعظم، وذلك شيء آخر. القاتل السياسي يقتل مطمئن النفس، راضي القلب يعتقد أنه يفعل خيراً؛ فإنه يعتقد بما بث فيه من مغالطات أنه يفعل عملاً حلالاً جائزًا، إن لم يعتقد أنه يقوم بواجب إسلامي قصر فيه غيره، فهذا مرتد خارج عن الإسلام يجب أن يعامل معاملة المرتدين، وأن تطبق عليه أحكامهم في الشرائع،
وفي القانون هم الخوارج كالخوارج القدماء الذين كانوا يقتلون أصحاب رسول الله ويدعون من اعترف على نفسه بالكفر، وكان ظاهرهم كظاهر هؤلاء الخوارج بل خيراً منه، وقد وصفهم رسول الله بالوحي قبل أن يراهم، فقال لأصحابه : « يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية « حديث أبي سعيد الخذري في صحيح مسلم, وقال أيضاً :» سَيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدِّين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة». حديث علي بن أبي طالب في صحيح مسلم, والأحاديث في هذا المعنى كثيرة متواترة، وبديهيات الإسلام تقطع بأن من استحل الدم الحرام فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه.
فهذا حكم القتل السياسي، هو أشد من القتل العمد الذي يكون بين الناس، والقاتل قد يعفو الله عنه بفضله، وقد يجعل القصاص منه كفارة لذنبه بفضله ورحمته، وأما القاتل السياسي فهو مصر على ما فعل إلى آخر لحظة من حياته، يفخر به ويظن أنه فَعَلَ فِعلَ الأبطَال.
وهناك حديث آخر نص في القتل السياسي، لا يحتمل تأويلاً فقد كان بين الزبير بن العوام وبين علي بن أبي طالب ما كان من الخصومة السياسية، التي انتهت بوقعة الجمل، فجاء رجل إلى الزبير بن العوام فقال : أقتل لك عليًّا ؟ قال : لا، وكيف تقتله ومعه الجنود ؟ قال : ألحَق به فأفتك به. قال لا؛ إن رسول الله قال: «إنَّ الإيمَان قَيدُ الفَتكِ، لا يَفتِكُ مُؤمنُ» (حديث الزبير بن العوام رقم 1429 من مسند الإمام أحمد بن حنبل: بتحقيقنا).
أي أن الإيمان يقيد المؤمن عن أن يتردى في هُوَّة الرِّدَّة، فإن فعل لم يكن مؤمنًا».
وسئل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله تعالى -: «سماحة الشيخ: حركة «الإخوان المسلمين» دخلت المملكة منذ فترة، وأصبح لها نشاط واضح بين طلبة العلم, مارأيكم في هذه الحركة؟ وما مدى توافقها مع منهج أهل السنة والجماعة؟»
فأجاب الشيخ رحمه الله: «حركة الإخوان المسلمين ينتقدها خواص أهل العلم، لأنه ليس عندهم نشاط للدعوة إلى توحيد الله، وعدم التوجيه إلى العقيد الصحيحة, التي عليها أهل السنة والجماعة, فينبغي للإخوان المسلمين أن يكون عندهم عناية بالدعوة السلفية: الدعوة إلى توحيد الله، وإنكار عبارة القبور، والتعليق بالأموات، والاستغاثة بأهل القبور، كالحسن، والحسين، أوالبدوي، أو ما أشبه ذلك. يجب أن يكون عندهم عناية بهذا الأصل الأصيل، بمعنى: «لاإله إلا الله»، التي هي أصل الدين، وأول ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم في مكة, دعا إلى توحيد الله، إلى معنى «لا إله إلاالله», فكثير من أهل العلم ينتقدون على الإخوان المسلمين هذا الأمر، أي: عدم النشاط في الدعوة إلى توحيد الله، والإخلاص له، وإنكار ما أحدثه الجهال بالتعليق بالأموات، والاستغاثة بهم، والنذر لهم، والذبح لهم، الذي هو الشرك الأكبر, وكذا ينتقدون عليهم عدم العناية بالسنة: تتبع السنة، والعناية بالحديث الشريف، وما كان عليه سلف الأمة في أحكامهم الشرعية, وهناك أشياء كثيرة أسمع الكثير من الإخوان ينتقدونهم فيها» ا.هـ.
وقال العلامة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: «ولما ظهرت قضية الإخوان المسلمين الذين يتصرفون بغير حكم الإسلام, ازداد تشويه الإسلام في نظر الغربيين وغير الغربيين، وأعني بهم: أولئك الذين يلقون المتفجرات في صفوف الناس, زعمًا منهم أن هذا من الجهاد في سبيل الله، والحقيقة أنهم أساءوا إلى الإسلام وأهل الإسلام أكثر بكثير مما أحسنوا, ونتج عن فعلهم أن ازداد الكفار نفرة من الإسلام، وأهل الإسلام يكاد الإنسان يغطي وجه لئلا ينسب إلى هذه الطائفة المرجفة المروعة، والإسلام بريء منهم».
وقال العلامة الألباني رحمه الله: «الإخوان المسلمون ينطلقون من هذه القاعدة (يقصد: نعمل فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه) التي وضعها لهم رئيسهم الأول (يقصد: حسن البنا), وعلى إطلاقها (أي: حتى في العقيدة), ولذلك لا تجد فيهم التناصح المستقى من نصوص كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ومنها سورة العصر: {وَالْعَصْرِ} (1) سورة العصر * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}؛ هذه السورة كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا ثم أرادوا أن يتفرقوا قرأ أحدهم هذه السورة؛ لأهميتها, وتواصوا بالحق, وتواصوا بِالصبر؛ فالحق كما تعلم ضد الباطل، والباطل أصولي وفروعي، كل ما خالف الصواب فهو باطل، هذه العبارة هي سبب بقاء الإخوان المسلمين نحو سبعين سنة عمليًا بعيدين فكريًا عن فهم الإسلام فهمًا صحيحًا, وبالتالي بعيدين عن تطبيق الإسلام عمليًا؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه».
وقال العلامة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله- في وثيقة خطية: «الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه, رأيي في الإخوان المسلمين أنهم حزبيون يريدون التوصل إلى الحكم ولا يهتمون بالدعوة إلى تصحيح العقيدة ولا يفرقون في أتباعهم بين السني والبدعي».
وهذا التحذير منذ زمن، وماذاك إلا لما لهذه الجماعة من أبعاد سياسية، تشكل صوراً إرهابية.
ويمكن تحديد المظاهر الإرهابية في هذه الجماعة فيما يلي:-
1- أنها كما ذكرنا أصل التنظيمات التي وردت في البيان كتنظيم القاعدة بفروعه، والتنظيمات القائمة الآن في سوريا، غيرها، وصلتها تاريخياً وفكرياً أمر يمكن إثباته بما لا يدع مجالاً للشك في خطورتها، وضررها وتبنيها لكل فكر إرهابي.
2- ما توافرت عليه من أفكار ومبادئ تغذي الفكر الأممي بصورته المنحرفة التي لا تعترف بالانتماء الوطني، بل إنها أفكار تدمر كل نبتة للمواطنة الصالحة، وانتماء للوطن وولاته، ليصبح الانتماء، حزبياً والولاء الفكري لقيادات الأحزاب والتنظيمات، والعمل الدؤوب لنصرة هذه الأفكار والتضحية لأجلها، وهذا شأن ليس بدعاً، ولا جديداً في شأن هذه الجماعة، فالمتأمل الراصد لحراكها يدرك بجلاء أنها آلية يتم بها التدرج في استغفال المجتمع والشباب على وجه الخصوص منذ فترة مبكرة وترتيبهم على هذا الولاء والانتماء وتعظيم قادتهم ومنظريهم.
3- ما أفرزته الأحداث الأخيرة التي لم تقتصر على بلد أو ووطن وسرت إلى المجتمع الإقليمي والإسلامي والعالمي، فقد صار ديدنهم التشويش والإرجاف والفتنة، والضرب على وتر القضايا والنوازل والمتغيرات التي تمر بالعالم لتوظيفها لما يريدون والوصول إلى مقاصدهم ومراميهم، واستحلال كل ما يوصل إليها حتى لو بالكذب، ورغم البيان الذي أوضحه العلماء من أفكارهم، وبنوه على قواعد الشريعة ومقاصدها إلا أن العمل المؤدلج الذي يخدم الأفكار والجماعات المتطرفة دائماً ما يحاول فصل الشباب عن هذه الفتاوى وعن تأثير العلماء، بإلصاق التهم، وتحميل الأقوال والمواقف والفتاوى ما لا تحتمل، ليتم لهم ما أرادوا من تمرير أجندتهم تحت هذه الظروف المختلفة.
4- رغم ما يعلنونه من براءتهم من التكفير إلا أن الواقع يؤكد صلتهم بهذه الأفكار وخصوصاً المبادئ التي أعلنها مؤسس الجماعة، والمصطلحات التي تتكرر لديهم من الجاهلية، والحاكمية هي أساس الأفكار التي تبشر بالخلافة زعموا، وتكون مبطنة بما يسقط شرعية الأنظمة، وتضليل الناس بذلك.
هذه وغيرها مما يمكن الاطلاع عليه وقراءته في فكر الجماعة وما تفرع عنها يؤكد سعيها الدائم لاحداث الفتنة والبلاء، وقد أن الآوان أن تتراجع هذه الجماعات والتنظيمات التي اختطفت أبناء هذا الوطن وأبناء المسلمين في العالم للزج بهم في أتون الفتن والمشكلات، وآن الأوان أيضاً أن يعلم الشباب وعموم أبناء الوطن نعمة الله عليهم بهذا الوطن العزيز وقيادته التي لا نعلم لها في الواقع المعاصر نظيراً، فهاهي تضرب مثالاً في الغيرة على الدين وعلى اللحمة والجماعة والوحدة على مستوى المملكة العربية السعودية ودول العالم العربي والإسلامي، وهذا مصدر افتخار واعتزاز، فهذه الدولة حرسها الله وحماها دولة سُُُنِّية سَنِيِّة سلفية، تقوم على الأصلين الصافيين، وتهتدي بهما على نهج سلف الأمة، وكما تحكمها وتتحاكم إليها فهي أيضاً تقاوم الفتن والمشكلات أخذاً بوصايا أرحم الخلق وأنصح الخلق وسيدهم صلوات الله وسلامه عليه في الفتن، حيث أوصى بهذا الأصل العظيم، الذي هو من أعظم مقاصد الشريعة، وأهم ضماناتها لحفظ الدين والعقيدة والأمن، والألفة والاجتماع على الوحدة، والبعد عن مسببات الفرقة والتناحر والخلاف والاختلاف، فحينما أشار إلى ظهور الفتن، وإلى الدعاة الذين هم من أبناء جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، ومع ذلك يدعون الناس إلى نار جهنم عياذا بالله «دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها» حينها كانت الوصية الجامعة المانعة، التي نحتاجها في هذا العصر الذي رفع فيه أهل الفتن والتحزبات عقائرهم، وجيشوا عقول الناشئة، وشحنوها بما يسقطهم في أتون الفتن والمشكلات، فقال صلى الله عليه وسلم «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم».
لقد استخدمت ايران المجوسية هذه الجماعات منذ نشأتها والعالم أجمع يعلم أن هذه الجماعات المتطرفة لم تقم بأي عمل ضد إيران التي احتضنتها وآوت قادتها، ووفرت لهم الدعم اللوجستي لانطلاق أعمالهم التخريبية وأنشطتهم الإجرامية في بلاد المسلمين وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بما تحمله من رمزية للمسلمين. فكانت إيران ومعها هذه الجماعات معول الهدم ورأس الشر الذي يقف خلف تطبيق خطط تقسيم بلاد المسلمين وتمزيقها وبث الفوضى فيها، وقد رأينا ما حل ببلدان العرب في سوريا ومصر واليمن والبحرين وغيرها من البلاد التي عانت وتعاني من شرور هذا التحالف المعادي للإسلام وأهله.
ومن هنا، جاء حديث سمو ولي ولي العهد عن هذه الدولة المجوسية الخبيثة، الراعية للإرهاب والإرهابين، المصدرة للخراب والدمار والمرتزقة، الحاقدة على العرب المتحالفة مع أعداء الإسلام، فلا مجال للتهاون والتخاذل مع من يريد النيل من أمن وطننا الغالي وعقيدة أبنائنا المخلصين، وتصدير ثورته الخمينية الآثمة، ومد النفوذ الصفوي الخبيث تحت غطاء نشر المذهب الجعفري الإثناء عشري بعقائده الفاسدة المفسدة.
وهذه التحولات توجب علينا جميعاً شكر الله والثناء عليه بما حبى هذه البلاد من الخيرات والبركات، وبما أنعم عليها من النعم والحسنات، ورفع الأكف إليه سبحانه وتعالى أن يبارك في جهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف، وسمو ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظهم الله وزادهم عزة وتمكيناً، ومن حقهم علينا الوقوف صفاً واحداً تحقيقاً لتطلعاتهم، ووقوفًا في وجه الفساد والإفساد. ونسأل الله جل وعلا أن يحفظ على بلادنا أمنها وإيمانها وولاة أمرها, وأن يجعل ما قدموه ويقدمونه في موازين حسناتهم, إنه سميع مجيب،والحمد لله رب العالمين،وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.