كوثر الأربش
«أحببتكِ لأنك جميلة، بهذه البساطة، وبالسهولة التي لا تقنع دور النشر، ولا خشب المسارح ولا شاشات السينما، يحدث أن يحبَّ الناس البطلات الجميلات، لكنني أحببتك؛ لأنك جميلة، وما كان مهمًا وقتها إن كان في الأمر بطولة! يحدث أيضًا أن يأخذنا الجمال تمامًا.. أحببتك لأنك جميلة»
لم يرهقنا بالأسباب الكاذبة والدفاعية، أعني المغيرة الهويدي كاتب هذا النص الصادم. لأنه قالها بكل شفافية، وقسوة. الصدق الخام في بعض المواقف لا يقنعنا، بل نفضل تدوير الحقيقة، حتى نبتلعها بطريقة أسهل، مثل الدواء المُنكّه بالفراولة مثلاً. إنني أتحدث عن سطوة الجمال، القدرة اللا متناهية للوجوه الجميلة على تعطيل كل شيء. لهذا ارتبط الجمال بالرمز المقدس في الميثيولوجيا اليونانية، الأجساد القوية، الملامح النقية، بل حتى في الرموز الأسطورية أو الدينية التي صنعها المخيال الإنساني، فمن يمكنه أن يتخيل أن ليلى العامرية، المتنبي، روميو، ألبيرو كامو، أو أبو زيد الهلالي، أنهم لم يكونوا على قدر من الوسامة والجمال؟
في فيلم القلب الشجاع (Braveheart) الذي يصوّر ملحمة وليام والاس الذي قاد المقاومة ضد الإنجليز المحتلين لإسكتلندا إبان حروب استقلالها. خطبَ الممثل ميل جبسون مثيرًا حماسة الجيش الصغير قبل المعركة، قاطعه أحد الجنود الذين يرونه لأول مرة: «أنت وليام والاس؟ ظننتك أطول قامة، وأن النار تخرج من عينيك». هكذا يسيطر علينا الكمال الجسدي، فنتخيل كل الأبطال، الرموز، الشعراء، الفلاسفة، قادة المعارك، نتخيلهم أجمل مما هم في الواقع.
قبل أن أربط هذه الفكرة بمسلسل غرابيب سود، أريد أن أعتذر للمرأتين اللتين تحدثتا بالقرب مني على منصة الطلب في ستاربكس، سمعتهما مصادفة يتبادلان حوارًا عن أمير داعش الوسيم في المسلسل، لماذا تم اختيار الممثل السوري محمد الأحمد، ذو الملامح الجذابة لهذا الدور الخطير؟ هل يريدون ترغيب الصغار لداعش؟ هكذا قالت إحداهن. قبل كل شيء، اتفقنا في البدء أن الجمال البوابة الأسرع للروح، لكننا لم نتفق بعد، أن الجمال قد يصبح قبيحًا جداً، منفرًا، مثيرًا للغثيان، إذا كان الشخص قبيحًا وشريرًا. وحدها الفراشات تحترق بالنار، لأنها غير عاقلة، لأنها حسبت لهب النار نورًا. العاقل لا يحدث معه ذلك، يجذبه الجمال في البدء، لكن سرعان ما يتهاوى كالرماد حين تنكشف الأقنعة. فكر معي، كم وجه كان جميلاً، بعد أن كشّر عن شروره صار أقبح؟ أمير داعش كان يذهب للصلاة على جثث القتلى، يشوّه فطرة الأطفال، يوزع البنادق والرصاص والذبح! هذه المفارقة الذكية للغاية، أعني أن يكون للأشرار وجوه جميلة، زاوية جديدة على الدراما العربية، التي تعوّدت أن تجعل من الأشرار كتلة من القبح، حتى إن هندامهم يكون رثًا، أصواتهم قبيحة، ولو أن الرائحة يمكن أن تنبعث من الشاشة، لجعل المخرج رائحة الأشرار نتنة أيضًا.
الزمن لا يشبه ذاته، يمكن للأشرار أن يمتلكوا وجوهاً جميلة، أصواتاً عميقة تخطف القلب، قد يبتسمون، يبكون، يرتدون ملابس رائعة، وقد تنبعث من معاطفهم، رائحة عطور ساحرة. نعم.. هذا ما يحدث.