«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
منذ القدم وفي بلادنا وبلاد العرب والمسلمين عادة محببة ومتوارثة على مدار السنين. هذه العادة أو الظاهرة التي تبرز دائما في الشهر الكريم هي «تبادل الأطباق الرمضانية» فتجد نسبة كبيرة من الأسر والعائلات، أكانت أسراً غنية أو ثرية أو متوسطة الحال تسعى إلى الاهتمام ومنذ بداية إعداد المواد التي سوف يتم طبخها وتجهيزها لمائدة الإفطار أن يخصص طبق يجهز لإرساله مع إحدى العاملات إلى أحد بيوت الجيران أو المعارف. في الماضي كانت مسئولية توصيل هذا الطبق الرمضاني يقوم بها أحد أبناء الأسرة أو بناتها الصغيرات ومع انتشار الخدم والعاملات، والسائقين في مجتمعنا باتت مسئولية توصيل هذه الأطباق عليهم، وكم هو جميل أن تسمع جرس الباب قبل وقت الأذان يقرع. وعندما يركض أحدهم لفتحه يجد خادمة الجيران أو سائقهم ومعه طبق رمضاني. وكم صادف أن يكون الطبق به أحد الأصناف الشهية التي اشتهر بها رمضان الكريم. والعجيب أحيانا يكون ذات الصنف أرسل من كلا الطرفين من الجيران، وتختلف الأطباق المعدة خلال رمضان حسب المتعارف والمشهور عند المناطق والقرى سواء في المملكة أو الخليج أو الدول العربية والإسلامية، واذكر أننا في أحد الأيام وصل لبيتنا في الأحساء طبق «جريش» بالربيان من ثلاثة بيوت، اثنان من الجيران أما الثالث فمن بيت قريب لنا. اللهم أن أحدهم كان مزين بالبيض. والمثير للدهشة هنا أن بيتنا أيضا كان قد أرسل طبق «جريش» لهم وعلى مائدة الإفطار تضاحكنا ونحن نتبادل خبر الأطباق المشتركة.. وهل وصلت ظاهرة توارد الخواطر إلى هذه الدرجة والتي تجسدت في اشتراك جميع البيوت الأربعة في إعداد طبق «الجريش» وبالربيان أيضا. شيء لايصدق لكنه واقع عشناه يوما ما.؟!
ولاشك أن ظاهرة تبادل الأطباق الرمضانية تنامت في العقود الأخيرة بصورة لافتة وفي مختلف المجتمعات مع ما يعشه مجتمعنا من خير عميم وقدرة شرائية تغبطه عليها مجتمعات أخرى في العالم، اللهم لك الحمد والمنّة. وأدم علينا خيرك وفضلك، ومن هنا ومن هذا الشعور الأخوي والاجتماعي بين أفراد المجتمع تزدهر هذه الظاهرة والتي تكشف فيما تكشف عن التطور في عملية الطبخ وإعداد الأطباق والتفنن في الابتكار والتجديد يوما بعد يوم. كنا في الماضي وعلى الأخص في الأحساء حيث تتوفر فيها المواد الكثيرة التي تساعد في إعداد أصناف متعددة من الأطعمة بحكم كونها واحة زراعية وسوقها التجاري المفتوح على العالم ومنذ القدم بحكم وجود مينائها الشهير «العقير» وبالتالي اشتهرت بمئات الأنواع والأصناف من الأطعمة.. وفي مختلف الأطباق. من مشويات ومطبوخات وسلطات وحلويات متعددة.. وتعدد المأكولات المعدة من الأرز أو القمح أو العيش الحساوي أو الجريش.. وتضاعف هذه الأنواع وتلك الأصناف مع تطور وازدهار الحياة في العصر الحديث. مع توفر الأجهزة والمعدات المساعدة في عملية الطبخ. من مطابخ وأفران وأجهزة كهربائية. وهكذا تفنن البيت في الأحساء وغير الأحساء بل مختلف البيوت في المملكة في تقديم كل جديد من الأطباق. والتي بدأت تشاهد في وسائل الإعلام الحديثة بصورة مثيرة. خصوصا في (السوشل ميديا) من سناب شات وانستغرام وحتى الفيسبوك وتويتر. بل إن عملية اختيار الطبق الذي سوف يهدى للجيران أو المعارف في رمضان صارت ترسل صورته مسبقا إلى إحدى البنات أو الشقيقات لأخذ رأيها في شكله وما سوف يضاف إليه من لمسات فنية ولونية. وما خاب من استشار قبل أن يرسل الطبق لمائدة الجيران قبل الإفطار.. وماذا بعد تبادل الأطباق الرمضانية هي إحدى السمات والصفات الرمضانية المميزة في مجتمعنا السعودي وحتى الخليجي والعربي والمجتمعات الإسلامية.؟!