د.عبدالعزيز الجار الله
السكوت عن الرد يشجع الخصوم في التمادي والإسراف في الهجوم، بل إنها إشارة يستقبلها الخصم ثم يبالغون في اثخان الجراح والتلفيق والادعاء والصلف، محطة الجزيرة القطرية محطة لا يمكن أن تكون إلا قطرية تمثل سياسة الحكومة القطرية، وتعبر عن رأي الحكومة تنسجم مع الإدارة السياسية للدولة والسياسة الإعلامية لقطر، فهي لا تكون كقاعدة العديد تدار من الخارج، لأن من يصرف على الجزيرة ويمولها هي الخزانة القطرية، فهي لا تعتمد على الإعلانات وبيع منتجها الفيلمي والبرامجي، إنما تتلقى الصرف مباشرة من هرم السلطة في قطر كهبة وعطايا ومعونة، كما تتلقى التمويل الكامل وبسخاء من الميزانية الرسمية.
عندما بدأت محطة الجزيرة بثها عام 1996م كان لديها أهداف سياسية وإعلامية وأيديولوجية في بلادنا، وغايات وأجندة غير معلنة، لكن الأهداف الإعلامية كانت هي الساطعة، والسعودية كدولة ومجتمع (سكان) ورأي عام هو هدفها الإعلامي الضمني وغير المعلن، يتجه إلى هز الحكومة والشارع السعودي والنخب المثقفة، والسعي إلى تقزيم عمل وزارات وهيئات الإعلام والتعليم والشؤون الاجتماعية والاقتصاد والخدمات البلدية، يقابله منتج ضخم تقدمه وتعرضه قناة الجزيرة في هذه المجالات، وتظهر فيه المستويات الأعلى من الخدمة واستثمار المال العام وشمولية التنمية بهدف المقارنة وتقريب الصور والنماذج.
الإعلاميون والصحفيون وكتاب الرأي في السعودية الكثير منهم يعي هذه الحقيقة ويعي إدوار محطة الجزيرة في محاولة تحجيم السعودية وجعلها لا سمح الله دولة فاشلة في إدارة شؤونها في الإعلام والتعليم والشؤون الاجتماعية والاقتصاد والرعاية الصحية والبلدية، هي تحفر وتنخر من الداخل تقضم وتقوض كل منتج تحاول بلادنا أن ترتقي به، وكأنها تريد أن توصلنا إلى مرحلة اليأس التنموي والاجتماعي، وتغطي هذه الأهداف الإدارية والتنظيمية والاجتماعية بالضجيج السياسي والوجه الدولي، بينما هي تسعى إلى إفقادنا البنى الأساسية للمجتمع. نجحت قناة الجزيرة في التمويه والتلون لإخفاء أهدافها الحقيقية في إضعاف هذا الجار الكبير السعودي: الكبير بتاريخه العربي القديم، وبالمقدسات الدينية في أراضيه، وعدد سكانه قياسا بسكان قطر، ومساحة أراضيه التي تغطي 70% من مساحة الجزيرة العربية، ومخزوننا من النفط والغاز والمعادن الصلبة وبحارنا الواسعة واستثماراتنا وموقعنا في الاقتصاد العالمي، فحاولت خلال العشرين عاما في نهش هذا الجار السعودي بأكثر من وسيلة نجحت في بعضها وفشلت بأخرى حتى جاء زمن المكاشفة والتعرية للحكومة القطرية ولقناة الجزيرة في زمن الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله زمن الحزم والعزم والمعالجات السريعة والقوية.