خالد بن حمد المالك
لا نريد أن ننكأ الجرح النازف، ونذكِّر بما يشيب له شعر الرأس، فالمواجع كثيرة، والآلام تتجدد من حين لآخر، وما نكاد نتجاوز مؤامرة، حتى نجد أنفسنا نغرق في بحر من المؤامرات الأخرى، فهذا هو واقعنا، ما لا نستطيع تجاهله، أو الانفكاك منه، فما أحوج أمتنا إلى الحكماء، إلى العقلاء، يتحملون المسؤوليات الجسام، وتناط بهم الأمانة فيقدرونها حق قدرها، ولا يتصرفون بما يسيء إليها، وإلى أن يحدث هذا، ونكون على موعد معه، وإلى أن نجد من يتصرف من المسؤولين هذا التصرف الطبيعي الذي ننادي به، فإنَّ الكشف عن مواجعنا، والإعلان عن الأضرار التي لحقت بنا، والمصارحة عمّا يؤذينا، هو طريقنا السالك لمحاصرة القوى المعادية لنا.
* *
مؤامرات بعد مؤامرات، وإرهاب يضرب بقوة بعد إرهاب وإرهاب، وخلايا غير نائمة وعلى المكشوف تمارس إرهابها، بالقول والفعل، وتستخدم كل الأساليب، وتوظف كل الإمكانات لتنفيذ برامجها، مستغلة صمت العقلاء، وأسلوب المهادنة والمجاملة التي تجدها منهم لتنفيذ وتعميم إرهابها، ومعتمدة على دعم قطر لزيادة العمليات الإرهابية التي تنفذ وفقاً لأجندة المنظمات الإرهابية، ويريدون منا أن نصمت عن الكلام، وألا نذيع سراً يفضح هؤلاء الأشرار الخطيرين، مهما بلغ بنا من ضرر، ومهما لحق بنا من قتل ودمار وإرهاب.
* *
هل هناك أبلغ من الصوت المسجل لمن كانت نواياه التخطيط لمؤامرة كبرى وخطيرة لا توفر حتى قيادة الدولة ورأس الهرم فيها، وممن؟ من رأس السلطة في دولة جارة وشقيقة، ثم تأتي لتبدي براءتها، ونظافة يدها مما تلوثه تواقيعها في تمرير الدعم المالي للإرهابيين، والموافقة على الترتيبات المعدة لتفجير الوضع في خسة ودناءة وعدم وجود أدنى شعور بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، وكأننا لا نعلم بدسائسهم وألاعيبهم، التي تهز الضمير الحي، وتجعلنا في ذهول واستغراب أن يكون العدوان المبيت من أقرب الناس والدول.
* *
وهذا الدعم المالي الذي يعطونه للجماعات الإرهابية مقابل تعاونها وتحالفها وتنسيقها، واستعدادها لتنفيذ ما يطلب منها، مع الالتزام بجعل ما يتم الاتفاق عليه ينفذ حالاً وعلى الفور، وفقاً للاتفاق، وهو ما نراه في سوريا والعراق والبحرين واليمن، وإن كانت المملكة عصية في وصول الإرهاب لها، إلا أنها لم تسلم من نصيب غير قليل في تنفيذ عمليات إرهابية أضرت بالمواطنين والمقيمين وكادت أن تصل إلى رأس السلطة.
* *
ميزانيات ضخمة ترصدها قطر للجهات الإرهابية، وعمل خسيس متواصل لاستثمار هذه الأموال في تحقيق المآرب والأطماع، وما يسمونه مكاسب ذات دعم للعمليات الإرهابية التي تتفاوت بين تفجير مركز تجاري أو طبي أو تعليمي، وبين أن يكون المستهدف القامة الأولى في الدولة التي تكون ضمن أهداف هذه التنظيمات التي يجمعها مع قطر تنسيق واحد، وهو ما حدث مع المملكة بالتنسيق مع معمر القذافي، الأمر الذي يجعلنا نتساءل: ماذا تريد دولة قطر؟ ماذا يريد أميرها تميم آل ثاني ووالده حمد آل ثاني ووزير خارجية قطر الأسبق حمد بن جاسم؟، وما مصلحتهم في زرع الفتنة، وخلق التوتر، وتسخين الخلافات بين قطر وشقيقاتها دول المجلس؟
* *
الشيخ حمد آل ثاني قام بانقلاب أقصى بموجبه والده عن الحكم، مستغلاً سفره إلى الخارج، فقد ودّعه في المطار بحرارة، وما كادت طائرة والده تغيب عن سماء قطر، حتى أعلنت الإذاعة القطرية عن هذه المؤامرة الدنيئة، ولم يكتفِ الشيخ حمد بذلك، بل راح يعمل على تكرار تجربته في دول الجوار، ظناً وجهلاً منه أن ما نجح فيه مع والده المغلوب على أمره سوف ينجح فيه مع الدول العربية المجاورة لقطر، دون أن يفكر بأن الجيران هم الأقوى في حرمانه من حكم قطر لو كانوا خونة كما خان حمد والده خليفة، حيث استولى على الكرسي الذي كان يجلس عليه والده، غير أن ملوك وأمراء دول المجلس ليسوا بهذه الصفة، ولا تسمح مروءتهم بأن يمارسوا هذا الدور الإرهابي الذي مارسه الشيخ حمد حين كان ولياً للعهد، واستمر يتآمر وهو أمير للبلاد، بل وحتى حين تنازل شكلاً لابنه تميم.
* *
لقد كان عام 1995م يوماً أسود في تاريخ دولة قطر، فكلما حلَّ عام جديد تذكَّر المواطنون الأشقاء في قطر ما عمله الابن في والده، وتذكروا سنوات المعاناة التي واجهها الوالد في الغربة متنقلاً من دولة لأخرى يبحث عن مكان يأويه، بعد أن تعذَّر عليه العودة إلى أرض البلاد ولو بصفته مواطناًَ كبقية المواطنين بعد سنوات من الحرمان قبل أن يسمح له الابن بعودته ليفاجأ بما لم يكن يفكر فيه، حيث تم وضعه في الإقامة الجبرية إلى أن مات.
* *
أما تميم الذي ما زال تنازل والده له عن الحكم، لغزاً محيراً، وحالة غير مسبوقة، والأكثر استغراباً أن الشيخ تميم يسير في كل شيء على خطى والده، فلم يغير شيئاً، ولم يضف أي جديد على أساليب الحكم، وأبقى كل شيء على ما هو عليه، ما فُسِّر بأن والده هو من يدير شؤون الدولة، ويتدخل في القرارات بما في ذلك المصيرية منها، ولهذا فالتطورات السلبية في علاقة قطر مع دول مجلس التعاون لا يمكن تبرئة الشيخ حمد منها، ولا إعفاؤه من المسؤولية فيها، فهو شريك ابنه تميم في تردي الأوضاع في قطر داخلياً، ومع أشقائها دول الجوار العربية.
* *
وامتداداً لهذه، يمكن القول إن تميم ورث عن والده هذه المجاميع الإرهابية التي تقيم في قطر، وتخطط لمؤامراتها انطلاقاً من هذه الدولة الصغيرة، وأن الأمير الشاب لم يتحرك لتحييد نشاطها الإرهابي، ولم يقم بأي عمل يُفهم منه أنه ضد وجودها، ربما لأنه لا يملك قرار إزاحتها من قطر، أو أنه على خطى الوالد يؤيد بقاءها في الدوحة، ويدعم نشاطها، ويرى فيها قوة مساندة لقطر في رسم سياستها الخارجية، بينما أبناء البلاد، التي يتحدث المنصفون عن مستوياتهم العالية في التعليم وتنوع التخصصات لا يجدون فرصهم في خدمة قطر، إذ إن التركيز على العناصر الإرهابية غير القطرية الذين يطوقون على مفاصل الدولة.
* *
على أننا حين نتحدث عن قطر، لا نتحدث عن دولة بقياس ما هو معروف عن الدولة، فالشيخ حمد لم يترك للشيخ تميم تجربة غنية بالخبرات، ولم يسلمه دولة يحكمها تنظيم مؤسساتي، وإنما ترك له دولة في حالة ضياع ويمارس العمل فيها اجتهادياً، وبتدخل فاضح من العناصر الفاعلة من الإخوان المسلمين وغيرهم من عرب وعجم، ما لا تجد ذلك إلا في قطر، ولهذا فإنَّ الشيخ تميم فضلاً عن استلامه تركة معيقة لأي محاولة للتطوير واستقلالية القرار، فإنه لم يستطع أن يتصرف كمسؤول عن إدارة الدولة بمعزل عن تدخل والده، ولهذا بقيت قطر دولة إرهابية في عهد تميم كما هو حالها في عهد والده حمد.
* *
نختصر القول بالسؤال عن مغزى هذا التداخل بين الوالد وولده وهما يتنازعان السلطة والقرار في قطر، ولكن وفق مجاملات تقتضيها العلاقة بين الابن ووالده، وهي علاقة ليست مماثلة لما كانت عليه العلاقة بين الشيخ حمد ووالده الشيخ خليفة، التي لم يظهر للعلن وجود ما يعكِّرها، أو يشير إلى التباين في وجهات النظر بينهما إلى أن كان الانقلاب، فانكشف المستور وظهر ما خفي على الناس، وتبيَّن أن ولي العهد آنذاك الشيخ حمد كان يخطط للانقلاب على أمير البلاد والده الشيخ خليفة وهو ما تم.
* *
السؤال الأخير: ترى لو لم يتنازل الشيخ حمد لابنه الشيخ تميم، هل كنا على موعد قريب بانقلاب مماثل من تميم كما فعل حمد على خليفة، مصداقاً لما يقال بأن ما فعله الابن حمد مع والده، قد يفعله أيضاً تميم مع والده حمد، ولهذا سارع الشيخ حمد إلى التنازل عن الحكم لابنه الشيخ تميم، واحتفظ بما يريده من صلاحيات، ولكن دون صفة رسمية، وهذا أفضل له من انقلاب قدَّر الشيخ حمد بأنه قد يحدث، فيكون مصيره كما كان مصير والده من قبل.