محمد آل الشيخ
لم يكن يتوقع لا حمد بن خليفة ولا ولده تميم ولا منظرهما الإستراتيجي عزمي بشارة أن تكون ردة فعل المملكة والإمارات والبحرين على مؤامرات حمد وولده بهذا العنف والقوة والهجوم الإعلامي الكاسح. أسقط في أيديهم على ما يبدو، وفشلوا فشلا ذريعًا حتى الآن في التعامل مع الأزمة. هم يعرفون قطعاً أن مسلسل التصعيد في مصلحة المملكة والإمارات والبحرين، وليس في أيديهم إلا القليل جدًا من القرارات التي يمكن لهم أن يُصعدوا بها، وأهمها - طبعًا - قناة الجزيرة الإخوانية، التي هي كل شيء في قطر؛ إلا أنهم شعروا كما لم يشعروا من قبل، أن ردة الفعل على تصريحات تميم مدروسة ومخطط لها بعناية فائقة، وأن الدول الخليجية الثلاث على استعداد لمقابلة أي خطوة تصعيدية بخطوات تصعيدية أعنف وأقسى؛ الأمر الذي جعلهم في محاولة لاحتواء الأزمة، يلجؤون للشقيقة الكويت، عسى ولعل أن تمد لهم يد العون، إلا أنها لم تخلصهم من الأزمة.
وأنا على يقين أن القضية مازالت في بداياتها، وأن القادم أدهى وأمر. كان رهانهم على ما يبدو استنفار جماعة الأخوان، وتفعيل أذرعتها في أنحاء العالم الإسلامي، بما فيها المملكة، لنصرتهم ضد أوطانهم، غير أن الغضب العارم السعودي غير المسبوق، جعل عملاءهم يؤثرون السلامة؛ صحيح أن بعض عملائهم حاولوا مواجهة الهجوم الإعلامي الكاسح، إلا أنهم اكتشفوا أن القضية أكبر منهم، وأن الثمن الذي سيدفعونه فيما لو ركبوا رؤوسهم سيكون باهضاً، وكما هم العملاء الجبناء دائمًا، خفتت أصواتهم، ورددوا الحكمة التبريرية التي تقول إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب؛ وتركوا حمد وولده وكأنهما في صحراء صامتة، يحفها السراب من كل جانب.
الأخونج والسروريون الآن بدؤوا يعزفون على وتر لم الشمل والتآخي وإطفاء نار الفتنة، وصدرت بيانات من هنا وهناك تدعو إلى هذا الاتجاه، لكنها كتبت بلغة ضعيفة وعظية، لأنهم يعرفون بدءًا أنهم إذا صعّدوا، فلن يجدوا من يوقع على بياناتهم، فالأخونج كما هو معروف من أجبن الناس، ويحسبون حسابًا للمواجهة، وما قد يتمخض عنها من نتائج، لا سيما وهم يرون غضبة سعودية تتزايد حدتها يومًا بعد يوم، فوجدوا أن من الحكمة وإيثارًا للسلامة، الانسحاب بسكوت، والخنوع، وعدم مواجهة هذا البركان الثائر. خاصة بعد أن تخلى عنهم حلفاؤهم الأخونج، بالرغم من أن حمد وولده تحديا العالم، ودافعا عنهم، وأتاحا لهم في الدوحة ملاذًا آمنا، إلا أن القصف الإعلامي الذي لا يهدأ، يأتيهما من كل حدب وصوب، فضلاً عن أن هناك حركة ناشطة في كواليس الغرب، وبالذات في الولايات المتحدة، تدعو إلى محاسبة قطر على دعمها للإرهاب.
وطالما أننا بدأنا المواجهة فيجب ألا نتوقف ولا نتراجع حتى تلقينهم درسًا لا ينسوه، وإلى أن يشعروا بالفعل أنهم تجاوزوا حجمهم السياسي الحقيقي، ومارسوا أدوارًا لا تؤهلهم إمكاناتهم الموضوعية لممارستها، الأمر الذي جعلهم في نهاية المطاف في هذا الواقع المخزي والمزري؛ ويبدو أن حمد وولده قد استمرآ لعب دور الأسد، فصدقا نفسيهما، وها هما يكتشفان أن قدراتهما وإمكاناتهما الحقيقية لا تؤهلهما إلا لمواكبة دول الخليج، وعلى رأسها المملكة، الدولة الأقوى والأكبر والأكثر ثقلاً على كل المستويات؛ وكما يقولون: (رحم الله من عرف قدر نفسه)، وقَبل بواقعه، ومقتضيات إمكاناته.
إلى اللقاء