إبراهيم عبدالله العمار
الدول الغربية معروفة بالعلم، فبعد أن كانت أوروبا همجية متخلفة أتقنت التعلم في القرون الأخيرة فنهضت، فصارت التقنية تُرى في كل مكان، ونسبة الأمية في أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا تقل عن 5 في المائة، لكن العجيب أنه رغم العلم والتقنية إلا أن الشعوب الغربية تحفل بالخرافات، ففي أمريكا يكره الكثير التفاخر بأشياء مستقبلية وإلا فإنه ينحسها، فلو تكلم أحدهم وقال: أنا شديد العناية بسيارتي حتى لم يصبها خدش! فإن هذا يعد تبجّحًا مشؤومًا للكثيرين، وعلى الشخص أن يفعل طقسًا معينًا ليزيل النحس وهو طرق الخشب، فيلتفت إلى مكتب أو شيء مصنوع من الخشب ويطرق عليه، وهو تقليد قديم أتى به قدماء اليونانيين.
ومن الإشارات اليدوية الشائعة أن يضم الشخص قبضته ويرفع إبهامه، علامة أوكي OK الشهيرة، وهي إشارة إيجاب أو موافقة، وهذه أيضًا أصولها خرافية تعود لزمن يوليوس قيصر، ذلك أن قدماء الرومان لاحظوا أن الرضيع إذا ولد يكون إبهامه مقبوضًا داخل قبضته وتدريجيًا يخرج، أما إذا توفي الإنسان فتنكمش اليد ومعها الإبهام، فربطوا الأول بالحياة والفأل والثاني بالموت والشؤم، وحصل هذا عبر حضارات مختلفة، فلما كان المتجالدون الإيطاليون في القرن الرابع قبل الميلاد يتقاتلون للموت أمام المتفرجين كانت الإشارة تعني «أبقِ على حياته» إذا سقط الخصم وصار تحت رحمة خصمه، وإذا أُشير للمنتصر بالإبهام المقلوب فتعني «اقض عليه».
أما أكثرها انتشارًا فهو تشاؤم الغربيين بالرقم 13. الفرنسيون لا يضعونه رقمًا للبيوت، وفي إيطاليا اليانصيب لا يصدره، وعند خطوط طيران فإن صف المقاعد رقم 13 غير موجود، وبأمريكا طوابق كثيرة لا تحمل هذا الرقم، وفي المصعد ربما ترى الرقم 12 ثم 14، وإحدى التجارب النفسية أظهرت انتشار الخرافة، فرقّموا الطابق 13 برقمه الصحيح في بناية سكنية جديدة ولم يستأجر إلا القليل في هذا الطابق بينما أخذت كل شقق الطوابق الأخرى، ولما غيروا الرقم إلى «12ب» أخذت الشقق فورًا!
متى بدأ هذا التطيّر؟ إنه قديم، أنشأته الأديان الاسكندنافية، وتقول أسطورة أن 12 إلهًا اجتمعوا لمأدبة ثم اقتحم عليهم إله الشر «لوكي»، فهبوا ليطردوه واصطرعوا وأثناء القتال هلك أحد الآلهة «بالدر» وهو أفضلهم، وهذه أقدم أسطورة تربط الرقم 13 مع الشر والنحس، وحتى بعد أن تركت أوروبا الوثنية استمرت الأسطورة، واستوحى النصارى المشهد الأخير لحياة عيسى (كما يعتقدون) من تلك الأسطورة، وربطوا بين لوكي وبين يهوذا الذي دل على عيسى وتسبب بمقتله حسب اعتقادهم الفاسد، وفي لوحة ليوناردو الشهيرة «العشاء الأخير» التي تصور عيسى يأكل آخر وجبة مع الحواريين كان عددهم 12 والثالث عشر عيسى الذي شُبِّه بالإله «بالدر» القتيل في الأسطورة السالفة.
ما زالت هذه الخرافة مستمرة، ففي عام 2010م طرحت مايكروسوفت برنامجها أوفيس وأسمته أوفيس 2010، بينما اسمه الأصلي لدى مايكروسوفت أوفيس 13 لأنه النسخة رقم 13 من البرنامج لكن الخوف من هذا الرقم جعلهم يغيرون اسمه! ووقت السفر يتحاشى الكثير السفر يوم 13 من الشهر، ويبدو أن بعض صنوف الجهل لن تزول مهما بلغ البشر من العلم!