حمّاد السالمي
* كيف ينظر غير المسلمين للمسلمين لا الإسلام..؟ بمعنى: هل الحالة التي يعيشها المسلمون اليوم؛ جاذبة ومشجعة لغير المسلمين لكي يدخلوا في الإسلام..؟، هنا تبرز موضوعية التفريق بين الإسلام والمسلمين، فليس كل مسلم هو الإسلام الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-. إن أهل الدين يُعرفون بالدين، وليس الدين يُعرف بأهله، مثل الحق لا يُعرف بالرجال، بل الرجال يُعرفون بالحق.
* إن إشكالية القدوة الجاذبة وخاصة في التدين؛ قديمة وحديثة، وهناك شعوب دخلت في الإسلام سلمًا لا كرهًا، كما في بعض شعوب جنوب شرقي آسيا، اقتداءً بالحالة الدينية الصادقة التي كان عليها التجار العرب الذين وصلوا إلى هناك في عصور خلت. اليوم.. ماذا لدى المسلمين من قدوة جاذبة ومشجعة لدخول دينهم من غير المسلمين، من اليهود والنصارى؛ أو من غير الدينيين..؟.
* هذه القضية طرقتها كاتبة يهودية يمنية هي (نجاة النهاري) في مقال لها منشور منذ العام 2013م. تحدثت من وجهة نظر يهودية قائلة: (كيف يسلم اليهودي وهذا حال المسلمين)..؟ وأنا أقول: (كيف يسلم غير المسلم؛ وهذه حال المسلم).. المسلم لا الإسلام.
* الكلام في هذه القضية يمكن أن يأتي على لسان يهودي ومسيحي ولا ديني وغيره، وهو كلام في الصميم؛ إذا نحن أردنا أن نسمع ونعي وجهات نظر الآخرين حتى لو لم تعجبنا.. نحن تعودنا على سماع ما يعجبنا فقط، وهذا خطأ فادح، يقصي روح النقد، ويغلق سُبل الإصلاح.
* الباعث على هذا السؤال؛ هو سعينا الحثيث لدعوة غير المسلمين إلى الدخول في الإسلام من أهل الديانات السماوية أو ممن لا دين لهم ولا ملة. وهذا أمر جيد.. ولكن.. كيف نقدم لهم الإسلام الذي نتبناه وندعو له؛ وحالنا في بلداننا وشعوبنا الإسلامية؛ تناقض أبجديات الإسلام وقواعده وأسسه، من سِلم وعطف وحب وتراحم وحرية وعدل. نبذل الكثير من الجهود والمال لجذب مسلمين جددًا؛ كأن ما يهمنا في الأمر هو زيادة العدد لا العدة، والكمية لا الكيفية، وما علينا إذا عاد الذين أسلموا على موائد إفطار صائم؛ ومن (الجالية الفلبينية خاصة) عن إسلامهم إذا انقلبوا إلى ديارهم..!.
* مما جاء في مقال الكاتبة اليهودية (نجاة النهاري) قالت: (كثيرون وجهوا لي الدعوة للتخلي عن معتقدي اليهودي ودخول الإسلام، وكثيرون أيضاً يلعنونني كل يوم ويصفوني بالكافرة). ثم قالت: (بعث لي أحد الأصدقاء قصة جميلة عن النبي محمد ويهودي كان يسكن جواره ويلحق به الأذى والنبي يصبر عليه، وعندما مرض اليهودي؛ زاره النبي، فخجل اليهودي من أخلاقه ودخل الإسلام.. عندما قرأتها؛ فهمت أن تصرفات وأخلاق النبي محمد؛ كانت هي مقياس اليهودي للإعجاب بالإسلام واعتناقه قبل حتى أن يقرأ القرآن.. ولحظتها تساءلت مع نفسي: يا ترى المسلمون اليوم بماذا سيغرون اليهودي لدخول الإسلام)..!؟.
* نعم.. هل نحن اليوم قادرون على إفهام من ندعوهم للإسلام على طريقة تعامل المصطفى -صلى الله عليه وسلم- مع اليهودي الذي أسلم تأثرًا بأخلاق النبي قبل أن يقرأ القرآن..؟.
* إن حال المسلمين لا يؤهلهم لكي يتمثلوا الإسلام كما أراده ربهم لهم. المسلمون اليوم فرقًا ومذاهب متعددة. كل فرقة تلعن أختها وترى أنها وحدها الناجية؛ وواحدة وسبعين فرقة أخرى في النار، وكل مذهب يكفر الآخر ويحلل قتله، بل ويشرع في ذلك على أكثر من صعيد في أكثر من قطر. من أراد أن يدخل في الإسلام من الكتابيين أو من غيرهم عن قناعة حقيقية؛ فهل يدخله من باب (السنة) أم من باب (الشيعة)..؟ وهل يعيش مع هذا المذهب أو ذاك بسلام دون أن يُكفّر أو يحلل دمه من أتباع هذا المذهب أو ذاك..؟!.
* كل من يدخل في الإسلام سوف يجابَه بخطابات دينية متباينة كثيرة تثير البلبلة والشك عنده لا محالة- وأنا أتحدث عن المسلم الجديد الصادق وليس المنتفع من وراء الجهر بإسلامه كما يحدث كثيرًا هذه الأيام- خطابات توسع من رقعة الخلاف في كثير من المسائل الفقهية، حتى يصل الأمر إلى مفاهيم النار والجنة، والجهاد والقتل باسم الدين، فها هم المسلمون اليوم يتقاتلون بينهم البين في كل مكان، ويذبح بعضهم البعض الآخر بطرق بشعة جداً. فكيف يقتنع المسيحي أو اليهودي أو غير الديني بدخول الإسلام عن قناعة وحب؛ إذا وجد المسلم يقتل أخاه المسلم بسبب الدين نفسه..؟!.
* آخر التقارير الدولية تتحدث عن مئات آلاف المسلمين الذين تم قتلهم على أيدي مسلمين مثلهم في سورية والعراق وليبيا وأفغانستان واليمن في ظرف ثلاث سنين، وظهر مقطع فيديو لأحد المقاتلين في سورية وهو يخرج قلب قتيل آخر ويأكله..! أي مسلم يأكل قلب أخيه المسلم..!!
* مرة أخرى.. كيف نطمئن إلى أن من دخل ديننا اليوم هو مقتنع بالدين لا بنا.. وكيف لمثل هذا أن يقتنع ويطمئن قلبه لدخول الإسلام؛ إذا كان هذا حال المسلمين الذين سوف يصبح واحدًا منهم..؟ فما يحدث بيننا وبأيدينا نحن المسلمين؛ ليس من الإسلام، ذلك أن الإسلام وجميع الأديان السماوية تدعو للسلام لا الحرب والاقتتال وسفك الدماء.
* كان رسولنا العظيم محمد -صلوات الله وسلامه عليه-؛ يقدم للناس في دعوته روح الإسلام القائمة على السلام والحرية والعدالة والخلاص من الظلم والجهل والفقر، لهذا تبعه الناس عن حب وقناعة.. لكن ماذا لدى المسلمين اليوم وهم يدعون غير المسلمين للدخول في الإسلام..؟! معظم أقطارنا اليوم عربية وإسلامية، تحترب وتقتتل فيما بينها، ويعمها الفقر والجهل والظلم وانتهاكات حقوق الإنسان، وتفتقر للتنمية والقوة الاقتصادية، فهل هذا هو النموذج الذي تعرضه للآخر في دعوتها لدخول الإسلام..؟! وهذا المدعو الآخر (الكافر)؛ هو من يستقبل الفارين المهاجرين من ديارنا، ومن يقدم لنا ما نأكل ونلبس ونتداوى به.
* يجب أن نفرق بين الإسلام والمسلمين، حتى يصل المسلمون عملاً لا قولاً إلى مستوى الإسلام، الذي هو دستور عظيم مكمل للرسالات السماوية كلها.