د. عبدالواحد الحميد
أخذتنا التقنية إلى آفاق لم يكن يحلم أسلافُنا حتى لمجرد الاقتراب منها أو تصورها، واستطاعت هذه التقنية التي تتطور يوماً بعد يوم وبشكل متسارع أن تقدم ما يخدم الإنسان من منتجات في مختلف جوانب الحياة، لكنها أيضا أوجدت تحديات ومخاطر تهدد الإنسان، ولعل أشدها خطراً هي تلك التي لم يحسم العلم أمرها بشكل دقيق يساعد على موازنة السلبيات مع الإيجابيات. فالدراسات والبحوث والتجارب العلمية تقدم لنا في كثير من الأحيان نتائج متضاربة ومربكة تجعل الإنسان في حيرة من أمره لا يعرف كيف يتصرف داخل البيئة التي يعيش فيها والتي تعج بما وفرته التقنية من مبتكرات ومنتجات وأدوات يصعب الاستغناء عنها.
من الأمور التي كثُر الحديث عنها منذ بعض الوقت المخاطر الكبيرة التي يسببها الهاتف الجوال، وبخاصة المخاطر التي قد يتعرض لها الأطفال عند استخدامهم لهذه الأداة التي لا يمكن تصور كيف ستكون الحياة في غيابها في زمننا الحاضر، فهي لم تعد ضرورية للكبار فقط وإنما أصبحت أيضا من الأدوات الأساسية التي يستخدمها حتى الأطفال في مجالات تتجاوز هل الهاتف الجوال وغيره مما يُعرف بـ«الأجهزة الذكية» أصبحت بحق خطراً يهدد حياة مستخدميه على النحو الذي تشير إليه بعض الدراسات؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا تقوم الحكومات والمنظمات الصحية في مختلف أنحاء العالم بحملات توعوية جادة للتنبيه إلى مخاطر تلك الأجهزة بشكل يحسم الجدل الذي يعلو حيناً ويختفي حيناً آخر، وبخاصة المخاطر التي يتعرض لها الأطفال؟
تشير دراسةٌ ألمانية نَشَرتْ وسائلُ الإعلام نتائجَها مؤخراً إلى أن استخدام الهواتف الذكية لمدة نصف ساعة يومياً من قِبَل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنتين وخمس سنوات يزيد احتمالية الإصابة بضعف التركيز والإفراط في الحركة بمعدل ثلاث مرات ونصف بالمقارنة مع المستوى العادي، وتبلغ ستة أضعاف المستوى العادي لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سن ثمانية أعوام وثلاثة عشر عاماً!! وهذا بالإضافة إلى ما أشارت إليه دراسات سابقة عن مخاطر أخرى لهذه الأجهزة والتي قد تصل إلى الإصابة بالأورام الخبيثة! أما الآثار غير الأخلاقية وما تنشره بعض المواقع السيئة من صور وموضوعات، فحدِّث ولا حرج!
إذا كانت هذه المخاطر حقيقية وليست مبالغات، فيمكننا إدراك مدى الخطر الذي يهدد أطفالنا حين نقرأ نتائج الاستبيان الذي أعده المركز الوطني لاستطلاعات الرأي العام التابع لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني. فقد أظهرت نتائج الاستطلاع أن الأطفال في 91 بالمائة من الأسر السعودية يستخدمون الأجهزة الذكية والألعاب الإليكترونية، وأن 43 بالمائة من هؤلاء الأطفال تقل أعمارهم عن خمس سنوات وأن متوسط استخدام الأطفال لهذه الأجهزة أربع ساعات يومياً!!
هذه نتائج مروعة، وإذا كانت دقيقة -وأظنها كذلك- فإن الأمر يتطلب حملة وطنية تشارك فيها كل الجهات ذات العلاقة للتوعية ومساعدة الأسر لحماية أطفالها. فهل نرى ذلك قريباً؟