إعداد - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
استوردت المملكة خلال عام 2014 ما قيمته 651.9 مليار ريال، منها نحو 95.1 مليار ريال مركبات بأنواعها كافة.. ولكن بإضافة المركبات بمشتملاتها وقطع الغيار، تصل هذه القيمة إلى نحو 210.1 مليار ريال.
هذه السيارات ومشتملاتها تكاد تدخل المملكة برسوم طفيفة للغاية، أو لنقل بدون رسوم، بل إن تسهيلات الاستيراد محلياً تفوق مثيلاتها في كل دول العالم، حيث يسمح باستيراد السيارات المستعملة حتى خمس سنوات من موديل العام، بمعنى أنه يمكننا استيراد سيارات الآن حتى موديل 2012.
كل ذلك يقود إلى إغراق السوق المحلي بسيارات رخيصة وموديلات حديثة، أدت في مجملها إلى استيراد ما يناهز 783 ألف سيارة في 2015، ومثل هذا العدد يتم استيراده وبشكل متزايد سنويا، حتى أن الإحصاءات تختلف حول عدد رخص السيارات القائمة بالسوق السعودي، فبعض التقارير تصل بها إلى ما يزيد على 18 مليون سيارة، وتؤكد تقارير أخرى أن العدد سيتخطى العشرين مليون سيارة خلال سنوات قليلة.
هذا العدد الضخم من السيارات بالشارع السعودي وزياداته بمتوالية هندسية أمر ليس مرتبطا بالمركبات في حد ذاتها فقط، ولكنه متعلق بجملة من القضايا والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية وحتى أنه يمثل مشكلة لها صلة بقيمة الحياة، فالسيارات وتكاثرها يؤدي إلى تفاقم الحوادث المرورية ومن ثم فقدان الحياة لنسبة كبيرة من الأشخاص، فضلا عن احتياجها إلى تسهيلات خاصة في البنية التحتية التي تتآكل بفعل كثرتها.
أما الجزء الأهم، فهو أن هذا العدد يتم تلبيته بالاستيراد، ففي دولة مثل المملكة تتصف بضخامة الطلب المحلي، كان يمكن أن تنجح فيها صناعة السيارات بسهولة، ولكننا نثير التساؤل: كيف يمكن أن ننتظر نجاحا في تصنيع السيارات مع هذا الكم والإغراق من المركبات الرخيصة التي لا تعطي فرصة للصناعة الوطنية لكي تتنفس؟
جمارك السيارات فرصة لحماية الصناعات الوطنية
لم يكن بالإمكان تصور استيراد عدد يقترب من المليون سيارة ومركبة سنويا ما لم يكن هناك (اللاجمارك أو اللارسوم)، فهل يمكن لأي منتج وطني أن يفكر في تصنيع سيارة أو حتى التفكير بتجميعها في ظل هذه التكاليف المنخفضة للاستيراد، بالطبع الإجابة بالنفي، فلا يوجد هناك منتج وطني سيبدأ في إنتاج سيارة وطنية يستطيع الوصول بتكاليف إنتاجها إلى مستويات أسعار استيرادها. لذلك، فإن النتيجة الحتمية هي عدم القدرة على إقامة صناعات حقيقية للسيارات.
وتصنيع السيارات يحتاج إلى اقتصاديات ذات حجم، بحيث يتاح له سوق واسع، وهذا السوق موجود بدول مجلس التعاون الخليجي.
لذلك، فإن الأمر يحتاج إلى تنسيق خليجي في فرض رسوم جمركية لحماية اقتصادياتها الوطنية، وإقامة صناعات وطنية وليدة.
حماية المنتج الوطني
الحماية ليست أمرا مرتبطا بالسيارات، ولكنها سياسة تفرض نفسها في كل دول العالم، كل ما تتبناه هذه الدول، خاصة الدول الصناعية منها يتجلى في إقرار وفرض حرية التجارة، فرغم أن الدول الصناعية بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا يتبنون توجها عالميا لحرية التجارة وعدم فرض أي رسوم جمركية على المنتجات المستوردة، إلا أن هذا التوجه يقوم على منع الرسوم والتعريفات الجمركية بأشكالها التقليدية، ولكن هذه الدول نفسها تأخذ وتفرض أشكالا متعددة من الرسوم غير الجمركية، من أهمها قيود بيئية ورمادية وأحيانا قيود ترتبط بحقوق الإنسان.
ويمكن لنا أن نوضح أهمية فرض رسوم جمركية وحماية على المنتجات المستوردة التي من أهمها السيارات كما يلي:
تقييد الاستيراد بحيث لا يجد المستهلك المحلي مفرا من تحويل إنفاقه على السلع الأجنبية إلى البدائل المحلية، وهنا نضمن قيام صناعة وطنية للسيارات.
تقليص حجم الهدر من موارد الدولة الأجنبية في الانخفاض على استيراد السيارات.
حماية الصناعات الوطنية الناشئة للسيارات من المنافسة الأجنبية، على الأقل خلال سنوات نشأتها الأولى.
مواجهة سياسة الإغراق المفتعلة التي تعني بيع المنتجات الأجنبية في الأسواق المحلية بأسعار أقل من تلك التي تباع بها في سوق الدولة الأم.
أما العنصر الأهم، فإن هذه الرسوم الجمركية على السيارات تمثل مصدرا لإيرادات الدولة، فلو افترضنا أنه تم تطبيق رسوم جمركية ثابتة بقيمة 25 ألف ريال على كل سيارة مستوردة من الخارج، فإن حصيلة رسوم جمارك السيارات ستصل حسب أعداد السيارات المستوردة في عام 2015 إلى نحو 20 مليار ريال، هذه الإيرادات يمكن أن تنفق على احتضان صناعة وطنية للسيارات، أو يمكن أن تنفق على صيانة البنية التحتية للطرق، بالتأكيد ستمثل قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، فضلا عن أنها ستحجم الاستيراد غير الضروري القائم على رخص قيمة السيارات المستوردة.