د. سلطان سعد القحطاني
قبل الدخول في هذا الموضوع الذي طال النقاش في مفهومه ومفرداته اللغوية ودلالاته المعنوية، بين القديم والجديد والمستحدث في المصطلح الأدبي النقدي، علينا أن نقف بحيادية تامة بين المصطلحين ونقارب بين المفهومين لنصل إلى مصطلح توافقي بينهما، وهذا الموقف يتمحور في سؤال مهم: ماذا يعني التجريب في التراث، وماذا يعني في الحداثة، وما هو وجه التشابه والاختلاف، إن وجدا؟.
في التراث:جرَّب – يجرِّب، فهو مجرِّب – ومجرَّب، على وزن( مفعِّل، ومفعَّل) يدل على اسم الفاعل والمفعول به، أي فاعل ومفعول به، والمثل العربي يقول: أنت على المجرَّب(25) والمجرِّب، هو الإنسان صاحب التجربة في الحياة، والمجرَّب هو الشيء الذي جُرِّب في أمر ما، وأثبت تجربته، سلباً أو إيجاباً، والمثل العربي يقول: اسأل مجرِّب ولا تسأل طبيب. وهذا التعريف القاموسي ليس تعريفاً تخصصياً فهو تعريف عام يمكن تطبيقه على أمور كثيرة تكون الرواية بعضاً منها. أما الثاني، وهو الحداثي فلا يبتعد عن الأول في الإطار العام من حيث البنية الظاهرية، لكنه أكثر تخصصاً ودقة فيما يخص الرواية ذاتها، وهو متعلق بالشكل والمحتوى، أو المضمون عند بعض الدارسين، وهو يسعى إلى ما وراء السرد لتوظيفه بكثافة تدعو المتلقي للتوقف والتأمل أمام النص في بنية لغوية داخلية،Deep Structure وهذه تقنية الرواية الحديثة التي تمثل نوعاً من التوازن بين سياقين ثقافيين متفقين معرفياً، مختلفين ثقافياً، الأول: التقنية المكتسبة من السياق المعرفي الغربي، ويحتوي على التوازن في بناء الرواية بما فيها: الشخصيات، والزمان والمكان، والتدرج الرأسي وصولا إلى العقدة الروايئةPlotمنهيا الرواية بنص مفتوح يتيح للمتلقي عملية التأويل، وللناقد ممارسة إعادة النص مرة ثانية.
والثاني: يمثله المحتوى الذي يقوم على تجربةٍ تنبع من صميم الثقافة المحلية التي يعالج الروائي أحداثها بلغة روائية خاصة، ومعلومات موثقة توثيقاً فنياً خاصاً،وهي ما يحتوي على العادات والتقاليد، والأحكام والقوانين، والدين، والتشريع الاجتماعي، والطبيعة الجغرافية، والملابس، وأنواع الأطعمة، والفنون الشعبية...(26) وكل ما يتعلق بالمجتمع. وفي كل هذه الحالات يبدي الروائي- عن طريق الراوي- رأيه فيما ما وراء السرد،ولا يصرح به،كي لا يتحول النص إلى مقال إخباري أو موعظة إرشادية.
بعد أن استعرضنا- بشكل مختصر- أهم مكونات الرواية الحديثة، وهما: الاستفادة من التجربة الغربية في بناء الرواية،والتوظيف الثقافي المحلي من معطيات الثقافة الخاصة، استناداً إلى التقنية في إنتاج عمل روائي متكامل وهذا أمر- من وجهة نظري- ضروري في زمن الرواية الذي تجاوزنا فيه نصوص الخواطر والهم الذاتي المنافي لفن الرواية ذات الهم الجمعي. والآن نعود إلى الرواية في السعودية في مرحلتها الثالثة لنرى ، هل حققت هذين الشرطين، بجانب اللغة الناقلة لهذا النص وذلك في سياق أدبي عربي. لعل فيما ذكرت في السطور الماضية من قصص طويلة توافر في بعضها بعض الشروط الفنية، باستثناء أعمال كاتبين غيرا وجهة الرواية من التعليمية إلى الفنية، وما عدا ذلك كان نوعا من التحايل على الرقيب الداخلي والعلني في آن واحد لم يحقق شيئا منها،حيث كانت أحداثها خيالية لا تمثل البيئة، إلا أنها كانت تجارب ذاتية استفاد الفن الروائي منها بكسر الحاجز النفسي المعهود عن الرواية وكاتبها، ولم يستمر في حقل التجريب إلا كاتب واحد، ساعده في ذلك عاملين: محاولاته الناجحة روائياً، وطول عمره الفني،وأعني إبراهيم الناصر الحميدان، لكن مرحلة الثمانينيات من القرن العشرين قلبت الموازين لخوض التجربة عند ثلاث فئات من الكتاب تفاوتت أعمالهم من حيث الفنية بين الجيدة والرديئة، وهذا لا يعنينا في بحث كمي بالدرجة الأولى،لكنه يعنينا من حيث الإشارة إليه في تحديد مسار الفن الروائي؛ وهناك دراسات أكاديمية ألقت الضوء على هذا الموضوع(27) وكان للخريجين من الجامعات التي أصبحت سبع جامعات في سنة1977، بدلا من ثلاث جامعات دور في تنمية الرواية على أيدي كتاب شباب تأثروا بأساتذتهم العرب القادمين من البلاد التي نمت فيها الرواية، بجانب توفر الدراسات الحديثة للرواية في المنهج الدراسي، ولم يكن سعودياً في عمومه، لكن ثقافة الأساتذة لفتت نظر بعض الطلاب الموهوبين إلى النصوص السعودية ضمن الحديث العام عن الأدب الحديث، فخاضوا التجربة في مغامرة أمام طوفان القصة القصيرة، وهي المتسيدة للموقف الأدبي آنذاك، وهي قصة متطورة عن القصة القصيرة التي ظهرت في أربعينيات القرن نفسه، وكان لها حضور في الصحافة أكثر من غيرها، لأسباب منها، الترجمة، وقصر النص(28) وملاءمته لأعمدة الصحف، وحضور عدد من الوافدين للعمل والإقامة في المملكة، مثل، أحمد رضا حوحو من الجزائر، ومحمد عالم الأفغاني من أفغانستن، ثم السعوديون الذين درسوا في مصر في تلك الفترة، لكن كتاب القصة القصيرة في الثمانينيات والتسعينيات حدثوا في بناء القصة القصيرة مالم تعرفه القصة التقليدية من قبل، وقامت محاولات الشباب في كتابة الرواية الحديثة بتأثير من كتاب الرواية العربية، وفي مقدمتهم رواية( موسم الهجرة إلى الشمال) للطيب صالح، حيث انتقلت الرواية من الرومانسية إلى الواقعية في بناء تجريبي جديد ترك للمتلقي حرية التفكير وحرية الحلول غير المباشرة،فكانت قدرة كتاب الرواية على المزج بين الخيال ولواقع بلغة روائية لم تُهد من قبل حدثاً مهماً، وذلك في بنية ما وراء السرد اللغويةMet narrative فوجد المهتمون منهم ضالتهم في نص مفتوح بعيد الأغوار،ساعدهم في ذلك السفر ووجود الكتاب، وتأسيس الأندية الأدبية التي تولت النشر، وتشجيع الدولة لشراء جزء من إنتاج المؤلف، وظهر في عقد واحد ما بين 1980 و1989، تسعة وثلاثون عملاً تجريبياً لسبعة وعشرين كاتباً، معظمها تجارب ذاتية من مخزون الذاكرة( حكايات خرافية) تخلو من التقنية الروائية وتدخل في باب القصص الطويلة ذات الاتجاه الواحد، وأغلب كتابها نشروها بأنفسهم، إما للتكسب أو توثيقاً، بناء على طلب أبنائهم عندما كانوا يقصون عليهم هذه القصص في وقت السمر(29) وهذه الحقبة من تاريخ الرواية في السعودية غلب عليها الكم دون الكيف، وتوقف كتابها عن الكتابة ولم يعاودوا التجربة مرة ثانية، ولم تستقبل هذه الأعمال برضى النقاد في الصحافة الأدبية التي خصصت ملاحق أسبوعية للإبداع، ولم تجرى على الرواية دراسة علمية قبل عام1990، وهي دراستنا المذكورة، لأسباب منها: أن الرواية لم تحظى بقبول الوسط الأكاديمي في الجامعات نظراً لهيبتها والخوض في عالم مجهول لم يوجد له متخصص في الدراسات العليا. والثاني، أن الشعر والشخصيات الأدبية قد أخذت مكانها في بعض الجامعات باهتمام شديد، مما جعل الأطروحات الجامعية متشابهة في الشكل وأحياناً في الشكل والمضمون معاً، والثالث، أن كمية الرواية لم تكن كافية في نظر البعض لدراسة أكاديمية.
قد تكون هذه النقاط التي ذكرتها ليست مقنعة، لكن السبب - في نظري وما عانيته- ليس من بين هذه الأسباب، إنه كسل الباحثين وخوفهم من الخوض في موضوع ليس له مصادر ولم يكتب فيه أحد ما عدا الدكتور منصور الحازمي عن القصة والرواية، ولم يفرد للرواية دراسة بعينها.
والطور الرابع من أطوارالرواية في السعودية، والمرحلة الثانية من مراحل التجريب كان صاعقة في عالم الرواية وزلزلة في الثقافة بصدور رواية( شقة الحرية)لغازي القصيبي، وهي الرواية الأولى التي كانت فيها مكاشفات علنية وخروج عن الحشمة الأدبية وما يستقبح ذكره،وقد صور فيها الكاتب حالة الطلبة الخليجيين والعرب في القاهرة في خمسينيات القرن الماضي والتيارات الفكرية التي كانت تتنازع الشباب في ذلك الوقت، و طرح فيها الكاتب أفكاره وما كان يدور بصورة مباشرة،والجانب التقني فيها ضعيف ، فلغتها تخلو مما وراء السرد،فهي مكاشفة صريحة؛ واستقبلت روايات القصيبي جماهيرياً استقبالا متفاوتا بين القبول والرفض والمنع من الدخول لسببين: الأول، أنها ظهرت بطريقة غير مألوفة ومعلومات جديدة على البعض ليس فيها لغة الرواية. والثاني،شخصية كاتبها المعروف شاعراً ووزيراً محبوباً جريئاً في أطروحاته.
أما الثاني الذي وضع تجربته الذاتية، فهو الأكاديمي المرموق في علم السياسة، تركي الحمد، وتركي الحمد في أطروحاته السياسية وتحليلاته لا يشق له غبار، كما هي الحال عند غازي القصيبي الشاعر، لكنهما وجدا أن الرواية في هذا الزمن أقرب تلقياً من أي فن آخر في عالم أصبحت الرواية سيدة الموقف في المشهد الثقافي/ الاجتماعي، وأن الفكرة التي يريد الكاتب أن يوصلها تجد أقرب المنافذ إليها الرواية، وإن كان القصيبي والحمد قد صورا جزءا من سيرتهما الذاتية في أعمالهما على شكل سردي يعتريه الضعف التقني، ويقوى فيه الجانب الثقافي، ولا يمكن أن تقارن هذه الأعمال- حتى وإن حازت على جماهيرية كبيرة لما ذكرته عنها قبل قليل بأعمال عبد العزيز مشري، أو عبد الرحمن منيف، وإبراهيم الناصر الحميدان، ولا تساوي أعمالهما، الشعرية والسياسية والإدارية، فكتاب الدكتور غازي القصيبي( حياة في الإدارة) الصادر عام 2003من أجمل الكتب التي كتبت عن الإدارة من حيث المعلومة الصريحة، واللغة الراقية، وتركي الحمد في كتابه( السياسة بين الحلال والحرام) الصادر في نفس السنة2003 لم يصدر كتاب في هذا المجال يحاور المسلمين بسؤال يقول: هل نحن مسلمون، أو إسلاميون؟ يحاور وينقد من يتخذ الإسلام مطية ليصل على ظهرها إلى بغيته ومصلحته الخاصة. هذه المقارنات التي أوردتها ليست للتقليل من قيمة هذين العالمين، لكنها إشارات نقدية لمن هو صاحب تجربة في عالم الرواية ومن هو يريد أن يوصل فكرة معينة مختزنة في ذاكرته مكتسبة من دراسته وقراءاته،يقول الناقد الفرنسي ، أندريه جرين: الروائي الحقيقي هو الذي يكتب وليس في ذهنه أكثر من الفكرة(30) هذه النقلة التي تزعمها القصيبي والحمد في أعمالهما، وما تعرضت له من منع من دخولها إلى المملكة فترة من الزمن كسرت هيبة الرقيبين، الرسمي والاجتماعي، بما جاء فيها من أفكار جريئة سميت في وقت من الأوقات بالفضائحية، كان بإمكانهما صياغاتها في بناء روائي، ولكن سرعان ما أخذ هذا اللون مساراً هب كثير من الكتاب الموهوبين وغيرهم إلى سلوكه، بصرف النظر عن الجودة من عدمها، وشرع الناشرون في تلقف هذه الأعمال، وبعضها مدعوم من المؤلف نفسه طلباً للشهرة التي حاز عليها هذان الكاتبان، فهناك من تعرض للسياسة، وآخرون رصدوا مشاهداتهم وما مروا به في حياتهم في ملفات سوداء (31) من الشذوذ الجنسي وعقوق الوالدين والتمرد على الأعراف والدين، وغير ذلك، وكلها أعمال ضيفة لا تبشر بروائي متمكن، ما عدا عبده خال، وعليه كثير من المآخذ الفنية، ولكنه سلك هذا المسلك لينال عليه جائزة البوكر المشكوك فيها. وفي هذه الفترة إلى الآن ظهرت أصوات روائية تمكنت من السيطرة على المشهد الروائي، كان أولها عبد العزيز مشري(1953-2000) الذي تمكن من بناء رواية على الشكل والمحتوى في جميع أعماله، ابتداء من الوسمية 1985 وانتهاء بالمغزول بعد وفاته، تاركاً وراءه مجموعة من الروايات والقصص القصيرة واللوحات الزيتية، فقد كان رساماً وشاعراً وكاتب قصة قصيرة من الطراز الأول, فمن ناحية التقنية الروائية التجريبية كان متقناً لبناء الرواية الحديثة، ومن ناحية المحتوى نقل الثقافة العربية الريفية من حنوب المملكة، وخاصة بلاد غامد وزهران بكل صدق وحرفية في لغة روائية، بكل معانيها، من عادات وتقاليد، وتطور في المفهوم الحضاري، مما أثار إعجاب النقاد في البلاد العربية، والدارسين لتولي أعماله بالدرس والتحليل(32) ولعل ازدهار الحياة الثقافية في ظل الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي قد شجع العوامل الأساسية لنمو الرواية في المملكة، وضاعف من عدد الإصدارات بكميات مضاعفة فاقت ما أصدر في الخمسين عاماً التي سبقت هذه الحقبة، فقد أحصى بعض الباحثين ما صدر منها بأكثر من مائة إصدار(33) يمثل إصدار الشباب منها أكثر من تسعين في المائة، وهذا العنصر المهم أعطى هذا الجيل دفعة قوية للتجريب، فمنهم من ثبت للتجريب ومنهم من اكتفى باستنزاف طاقته من بدايتها واكتفى بهذا القدر، وهذه الفئة هم الذين لم يكن عندهم متابعة لتطور الفن الروائي، حتى وإن أنتجوا كميات كبيرة ،بيد أن الفئة التي استطاعت المضي قدماً هم الذين تمكنوا من زمام الرواية. ومن هذا الجيل الذي ظهر على تقنية الرواية الحديثة، أميمة الخميس في روايتها( البحريات) وهي تكتب من تجربتين، الأولى ممارستها لفن السرد في زمن مبكر، والثانية من تجربتها الذاتية، فقد جمعت بين الاثنتين في مزيج روائي متكامل، وذلك دأبها في أعمالها الأخرى،و محمد المزيني الذي كتب الرواية بعد تجربته في القصة القصيرة متأثراً بكتاب الرواية من أمريكا الجنوبية، وخاصة جاريسيا ماركيز، والمزيني يقتبس شخصياته من أناس يعرفهم أو عايشهم، كجيل الصحوة على ماسموا به أنفسهم، وهو اسم على غير مسمى، فكتب روايته الأولى( مفارق العتمة) كتجربة أولية لهذه الفئة من البشر، لكن نضجه جاء في روايته الثانية( عرق بلدي) وثاثيته( ضرب الرمل) و( الطقاقة بخيتة) وقد سيطر على البناء الروائي من جانبيه، وغاص في حياة الشخصيات النفسية من ثقافتهم، كما اثبت أحمد الدويحي الذي مارس القصة القصيرة والمقالة واستطاع أن يقدم أعمالاً روائية بدأها بروايته( ريحانة)1991، وتميز أسلوب الدويحي بالفلسفة والتحولات في المجتمع، ومن الذين واصلوا الكتابة الروائية في أسلوب تصاعدي طوروا من أدواتهم،رجا عالم التي طورت من حبكتها وتعلمت فن بناء الرواية في أعمالها الأخيرة عندما اشتغلت على الأسلوب التاريخي، وليس الرواية التاريخية، لذلك نجد التجربة الروائية عندها تسير نحو النضج، ولم يكن هذا الجيل قد حقق لقب روائي في أغلب الأعمال الكمية أكثر من التجربة الذاتية في رصد قصصي، هذا من جانب، ومن جانب آخر هناك من حلق في الخيال بعيداً عن التجربة العملية ليثير بذلك فضول المتلقي، فيصنع حدثاً خيالياً غير متوافق مع الحدث الحقيقي، فجناحا السرد- إضافة إلى ركنية الأساسيين المذكورين سلفاً- يحتاجان من الروائي إلى مزج بين الواقع والخيال، فلا هو الواقع البحت الذي يكون ركناً اساساً للتاريخ الموثق، ولا هو بالخيال المجنح الذي يعيِّش المتلقي في وهم خيالي لا يصدقـ ؛هذه هي مشكلة الرواية التي صدرت بكميات كبيرة في السنوات الماضية لا يتوفر فيها أي عنصر من العناصر الأساسية، سواء الأركان الواجبة في التجريب السردي بشكل عام، أو البناء الفني في الرواية بشكل خاص، لذلك يكمننا أن نطلق على الرقم الأكبر فيما صدر سرداً، ولا نطلق عليه رواية إلا فيما ندر على أيدي ك تاب تمكنوا من أدواتهم الفنية، ولا نحمل كتابها كلهم المسؤولية عن ذلك، فبعضهم لم يكتب على عمله رواية، لكن النقد الصحفي غير المتخصص من كتاب أعمدة وشعراء أرادوا أن ينفعوا الشباب فأضروا بهم من حيث لا يعلمون أو يعلمون!!! ثم أن بعض دور النشر تدخلت في العمل وكتبت على غلافه (رواية) لغرض تسويقي، كما أن هناك بعض الكتاب أراد أن يشتهر فكتب نوعاً من الذكريات المخالفة لثقافة المجتمع، في الدين أو الأخلاق، وسمى العمل رواية طلباً للشهرة التي اشتهر بها غازي القصيبي وتركي الحمد، وقد أشرت إلى ذلك فيما سلف من هذه الدراسة، لكن هناك بون شاسع بين الفريقين من حيث ما وراء السرد، فألئك كانوا يعنون ما يكتبون في باطن اللغة( غير الروائية بطبيعة الحال) والآخرون سطحيون مباشرون يحكون ذكرياتهم المعدة سلفاً بدون صياغة فنية ولا فلسفة باطني. وعلى أي حال فهذه دراسة كمية سنضمن مسردها تشكيلة من الإنتاج للأمانة العلمية، وليست هذه هي الدراسة الأولى التي تناقش نشأة الرواية وتطورها في المملكة، فقد بدأتها في عام1986 وأنهيتها في نهاية1990، و أكمل هذا المشوار الأكاديمي أحد طلابنا في مرحلة الدكتوراه بعقدين يفصلان بين الدراستين، دراستي التي توقفت عند عام1989أي نهاية العقد التاسع من القرن العشرين بإحصائية بلغت 55خمساً وخمسين إصداراً سرديا،بعضه رواية وبعضه قصة طويلة،نجمتها في المسرد الملحق بالدراسة،وهي دراسة مختلفة عن الدراسة الثانية، فكانت (دراسة تاريخية نقدية) والدراسة الأخيرة توقفت عند نهاية القرن العشرين بإحصائية بلغت110مائة وعشرة إصدارات، وهي دراسة( نقدية تطبيقية) رجع فيها الباحث إلى 60عملاً، وأحصى الباقي من ضمن الستين(35)، وصدر بعد هذا التاريخ عدد من الإصدارات السردية، وسيجده المتلقي لهذا البحث في المسرد المرفق Bibliography وهذا المسرد يهتم بالكم، وليس بالنوع التجريبي الذي يجب أن نعالجه في كل دراسة نقدية، وهذه الدراسة تهتم بالكم، على أنه مهم قبل النوع، فلا نستطيع أن نجري دراسة نوعية دون الرجوع إلى الدراسات الكمية، فالدراسة النوعية تهتم بالنظرية النقدية على يد متخصص يشخص هذه الأعمال ليخرج منها بنتيجة مفادها النوع،وربما يكون ذلك في دراسات لاحقة تكمل العمل الأول الذي اهتم بالنوع وشخَّصه على الطريقة العلمية،وفرز الرواية بشخصية مميزة عن الأصل السردي الجامع بين فنون الأسرة الأدبية ومحور السرد العام،فالرواية تقوم على مثلث،قاعدته السرد،وضلعاه محور الرواية، يتخذ الأول من اليمين بداية سرد الموضوع متجهاً إلى الأعلى باتجاه رأس المثلث حيث العقدة الروائية، ثم ينحدر إلى النهاية،عبر الضلع الثاني،وفي داخل هذا المثلث تكون الشخصيات،والزمان والمكان والأحداث.