قاسم حول
من المصادفات الجيدة أن تبدأ السينما في المملكة العربية السعودية مع ظهور التصوير الرقمي، وليس مع تصوير الأفلام على أشرطة السليلويد. فالسينما في العالم وأكثر في المنطقة العربية تعاني الآن من طرائق حفظ الأشرطة السليلويدية من السالب والموجب والأشرطة المغناطيسية والضوئية. ومع التدهور الحاصل في منطقة الشرق الأوسط والاضطرابات السياسية ضاعت الذاكرة العربية. لم تكن في بداية ظهور السينما نشاطات إنتاج سينمائية في المملكة العربية السعودية ولكن بوادر الإنتاج السينمائي ظهرت مع التطور التقني للسينما والتصوير على الذاكرة الرقمية. وهذا سوف يساعد كثيراً في حفظ الذاكرة المصورة في المملكة سواء على مستوى الفيلم الروائي أو الفيلم الوثائقي.
عرفت السينما في المملكة العربية السعودية بفيلم «وجده» للمخرجة هيفاء منصور. وقد عرض في مهرجان فينسيا وحاز على جائزة مهمة من المهرجان. وعرفه جمهور هولندا في مهرجان الفيلم العربي في روتردام عام 2013 وكان للفيلم حضور جماهيري واسع ما حدا بالمهرجان الهولندي ورئيسه «روج عبد الفتاح» أن يعرض الفيلم عروضاً ثقافية في المدن الهولندية وقد حظي الفيلم باهتمام كبير من قبل عشاق السينما ومتابعي السينما العربية في المهرجانات السينمائية. ويقول رئيس المهرجان العربي في هولندا «إن فيلم وجده حظي بجمهور واسع ليس فقط من الجمهور العربي ولكن أيضاً وبشكل لافت للنظر من قبل الجمهور الهولندي، وكان الفيلم فرصة لتعريف جمهور هولندا في أمرين الأول الثقافة السعودية والثقافة السينمائية بشكل خاص، وكذلك دور المرأة في الحياة الاجتماعية في المملكة»
وكان «مهرجان الفيلم العربي في روتردام» في هولندا قد احتفى بالسينما السعودية كضيف شرف عام 2011 فقدم المهرجان، وقد استضاف المهرجان وبالتعاون مع وزارة الثقافة في المملكة السينما السعودية الواعدة كضيف شرف، وقد نظمت أمسية سينمائية سعودية عرضت خلالها ثلاثة أفلام وهي «الخروج» لتوفيق الزايدي وفيلم «جده ملتقى الثقافات والحضارات» لممدوح سالم. وصباح الليل من بطولة راشد الشمراني. وقد حضر الأمسية السينمائية تلك الممثل «راشد الشمراني» والمخرج «ممدوح سالم» إضافة إلى السيد «عمر عقيل» ممثلاً عن وزارة الثقافة.
وفي دورة عام 2016 من المهرجان فإن ليلة الافتتاح كانت من نصيب الفيلم السعودي «بركة يقابل بركة» وحاز الفيلم على الجائزة الذهبية. وكان الفيلم وهو من أخراج «محمود صباغ» قد رشح لجائزة الأوسكار.
إن هذه البدايات للسينما السعودية المتزامنة مع ظهر السينما الرقمية والتي سهلت الإنتاج على السينمائيين من المنتجين والمخرجين، قد أتاحت لهم فرص اختراق السينما في العالم بقوة وجدارة حقيقيتين. وهنا لا بد أن نعطي الإشارة إلى وزارة الثقافة السعودية كي تجد الطرائق لرعاية السينما في المملكة العربية السعودية. وإن إقامة مهرجان سينمائي سعودي قد يحقق بعدا ثقافيا لثقافة السينما، وكنت أقترحت في مقالات سابقة أن تتبنى وزارة الثقافة فكرة مهرجان سينمائي خاص بالسينما التي تتناول موضوع المياه. وأفلام المياه الروائية منها والوثائقية هي من أجمل الأفلام، وقد تساهم وزارة الثقافة وتدعم إنتاجات أفلام وثائقية تعنى بقضية المياه. ويتردد منذ فترة أن الحروب القادمة سوف لن تكون حروب النفط، بل ستكون حروب المياه. والمياه إضافة إلى أنها عصب الحياة فهي أيضا تساهم بشكل أساسي في استخراج النفط.
هي دعوة لأن تتأسس قاعدة مادية للإنتاج السينمائي في المملكة العربية السعودية وأن لا يصبح الإنتاج السينمائي هو مبادرات فردية لإنتاج فيلم هنا وفيلم هناك بشكل متباعد فذلك لن يساعد في تحقيق الهوية الثقافية للمملكة بل يندرج في مسار النشاط الإنساني. أما البرمجة لثقافة سينمائية وإنشاء القاعدة المادية للإنتاج السينمائي فذلك شأن آخر.
ها هي السينما السعودية وبجهود مبدعيها تخترق مهرجانات السينما العالمية بجدارة وعلى وزارة الثقافة أن تأخذ هذا الإبداع بعين الرعاية وتبدأ في إنشاء القاعدة المادية للإنتاج السينمائي في المملكة العربية السعودية.
وفي تصريح للمجلة الثقافية لصحيفة الجزيرة السعودية قال رئيس مهرجان روتردام «روج عبد الفتاح» أن مهرجان الفيلم العربي في روتردام يطمح للتعاون مع السينما السعودية، لأن تجربة الأفلام التي عرضناها في دورات المهرجان السابقة وتفاعل الجمهور الهولندي مع المهرجان يشجعنا أن نفتح ستارة الشاشة على السينما في المملكة العربية السعودية. وصراحة فإنها سينما لها نكهة خاصة ومشوقة لأن الجمهور يريد أن يعرف المزيد عن السينما في المملكة العربية السعودية وأيضا عن الحياة الاجتماعية في المملكة العربية السعودية التي تشكل السينما أهم أداة في كشف الواقع أمام المتلقي.»
نضيف، وحتى لا تبقى السينما رهينة الصدفة في الإنتاج ورهينة المبادرة الفردية التي عادة ما تكون محدودة، فإن الدولة ممثلة بوزارة الثقافة، عليها أن تسهم في دعم الإنتاج وتأسيس القاعدة المادية للإنتاج السينمائي.