د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
في مساء الأربعاء 28 من شعبان 1438هـ اجتمع رجال شمران من جميع أنحاء المملكة في دعوة كريمة، دعا إليها زهير بن سعيد آل فايز الشمراني للاحتفاء بالأستاذ المبدع الدكتور حسن بن محمد آل مساعد الشمراني الفائز بجائزة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للغة العربية عن أفضل مبادرة لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها بمشروع العربية التفاعلية.
عرفت الدكتور حسن الشمراني زميلًا عزيزًا في جامعة الملك سعود في معهد تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها (معهد اللغويات العربية)، يلقاك بابتسامته المرحبة، وبتواضعه الجمّ.. عرفته من القلة الذين زويت لهم معرفة القديم والحديث، اللغة والتقنية، حبّب إلى الدخول في عوالم التواصل والتفاعل التقني حين تلطف بدعوتي للكتابة في منتدى مقهى اللغة، ثمّ منتدى الفصحى الذي أسسه عام (2006م)، واستمر حتى انصرف الناس عن المنتديات إلى وسائل التواصل الاجتماعي. وكان الدكتور حسن حفيًّا بتقريب العربية لمريديها من أهلها ومن غير أهلها، وهيأته معرفته بتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها ومعرفته بالتقنية وإمكاناتها أن يسعى إلى التوجه إلى العالم أجمع فلا ينتظر طلاب العربية الساعين إليها بشق الأنفس لتلقيها، بل هو يقدمها لهم على طرف الثمام بمشروع تعليمي تفاعليّ، يربط بين المتعلم والمعلم في أي بقعة من بقاع العالم.
اهتم الدكتور حسن الشمراني بأن يشهد الاحتفاء به أساتذته وزملاؤه من جامعة الملك سعود؛ لأنه يرى أن ما وصل إليه إنما كان في ظل هذه الجامعة العريقة التي أجاد الحديث عن مكانتها سعادة وكيل الجامعة الدكتور أحمد العامريّ في كلمته المرتجلة الرائعة، وإنما كان في ظلّ هذا الوطن الكريم المملكة العربية السعودية، ولا غرو أن يهدي فوزه لهذا الوطن الذي يتكاتف أبناؤه لخدمته والذود عنه. سمعت في كلمة الدكتور حسن ما سماها وقفات، وهي درر من الكلام الذي صيغ بذكاء عال وعناية فائقة. قال إن هذه الجزيرة شهدت في تاريخها توحيدين عظيمين. أما الأول فهو توحيد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالإسلام كل شعوبها وقبائلها، والتوحيد الآخر معتمد على تجديد ذلك التوحيد، وهو ما وفق إليه المغفور له جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود. وقال إن نُشرّف الوطن بما نكتبه بمداد من حبر فإن جنودنا يشرفونه وهم يكتبون بمداد من دمائهم. وقال إن فرحته وفوزه إنما هما بمصافحة الحاضرين الذين سعوا من داخل الرياض ومن خارجها لمشاركته فرحته والاحتفاء به. وأكد ما ألح عليه المتحدثون أنّ اجتماع شمران هو اجتماع قبيلة تفتخر بابن من أبناء الوطن وهو ينجز ما هو فخر لهذا الوطن، وأنّ هذا الاجتماع ليس قبائليًّا، وشتان بين القبلية والقبائلية. وما أروع قوله إنّ إحساسه وهو يتسلم الجائزة في الإمارات أنه لم يغادر بلده، وأنّ مشاعره هي ما صاغها الشاعر المبدع الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله - في قصيدته في عام 1986 بمناسبة افتتاح جسر الملك فهد، وأعاد على أسماعنا أبياتًا مختارة منها:
نسيتُ أين أنا إنّ الرياض هنا
مع المنامةِ مشغولانِ بالسمَرِ
أم هذه جدةٌ جاءت بأنجُمِهَا
أم الْمُحَرقُ زارتَنا معَ القَمَرِ
وهذه ضحكاتُ الفجرِ في الخُبرِ
أم الرفاعُ رنت في موسمِ المطرِ
أم أنها مسقطُ السمراءُ زائرتي
أم أنها الدوحةُ الخضراءُ في قَطَرِ
أم الكويتُ التي حيت فهِمتُ بها؟
أم أنها العينُ كم في العينِ من حَوَرِ؟
بدوٌ وبحّارةٌ ما الفرقُ بينهما
والبرُّ والبحر ينسابانِ مِنْ مُضَرِ
في ليلة الاحتفاء تدافعت قصائد غرّ مصوغة باللهجة العامية، تحتفي برجل العربية الفصيحة الذي يقدمها للعالم. أشار عريف الحفل الرائع إلى المفارقة العجيبة، وهي أن تحتفي العامية بالعربية، ولا غرابة في ذلك؛ فليست العامية والفصيحة سوى مستويين من مستويات العربية، وما هذا الاحتفاء سوى دليل على أنه لا تنافر بينهما ولا قطيعة، وإنما لكل منهما مجاله الذي تبدع فيه من غير أن تجور إحداهما على الأخرى، ولكن من استمع إلى تلك البلاغة العامية أحس مدى تأثير الفصيحة فيها؛ إذ لم نسمع العامية المغرقة في محليّتها.
ما سمعناه من رجال شمران هو ما نسمعه من أي رجل من رجال وطننا العزيز، لم نكن أمام قبيلة بل أمام رجال وطن، يحتفون برجل من رجال الوطن الذي شرّفنا بفوزه وعمله المبارك في خدمة العربية ورجالها. فشكرًا للغويّ الدكتور حسن بن محمد آل مساعد الشمراني، ثم شكرًا لرجال شمران رجال الوطن.