في فرمان غير مسبوق، قبل حين من الدهر، أصدر الحاكم بأمر الله الخليفة العبيدي قرارا يحرم أكل الملوخية وتبعها بالجرجير،كونهما على حد زعمه مما كان يتنعّم به الصحابي الجليل معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنهما !.
هذه الشخصية المهووسة بالقتل والتنكيل، شخصية سادية ولا شك، تتلذذ بتعذيب الآخرين وجعلهم أسارى لنزواتها ونزغاتها المجنونة، وباختفائه طويت صفحة من صفحات تاريخنا الديكتاتوري ومازالت صفحات تفتح كل يوم تبشر وتوثق مولد ديكتاتور عربي يحرم ويحلل حسب ما يقتضيه وضعه وما تسمح به سلطته.
وفي عالمنا الوظيفي تكثر النسخ المكررة من الحاكم بأمر الله تلكم النسخ تستأسد لفرض نفسها ورأيها عبر فرمانات إدارية تخالف الواقع والنظام وقبلهما العقل والنقل.
هذه الشخصيات هي امتداد للحاكم بأمر الله، هي نسخ مكررة من تلكم الشخصية، وأن اختلفت نسب البطش والتنكيل لكن المادة الوراثية تبقى واحدة، ما يختلف هو الطفرات الوراثية التى تفعل ذلك الجين وتكبت الآخر.
الوظيفة الحكومية تصدر لنا شخصيات منتهية الصلاحية نفسيا وإداريا، وهذا يتطلب من الجهات المعنية وضع اختبارات نفسية تقيس مستوى السواء النفسي عند اتباع وتلاميذ الحاكم بأمر الله، هذه الاختبارات وعبر آليات دقيقة وشفافة تستطيع أن تفرز الصالح من الطالح، السوي من المجنون، السادي من المتسامح وذلك لضمان تسنم جيل مؤهل نفسيا لإدارة الحشود من الموظفين في كافة القطاعات والخدمات.
أعترف أن الشخصية العربية صدرت وما زالت تصدر نماذج ديكتاتورية تعيش بيننا، تأكل الطعام وتمشي في الأسواق، ولكن عندما يؤذن لها بركوب تلك الكراسي ينقلب حالها ،وعلى طريقة المثل الجنوبي (ينقلب صبيح جني(ثم تبدأ معاناة القطاع والموظفين مع هذا الديكتاتور الصغير ،وخصوصا من يصدح برأي مخالف لارائه وتوجهاته فيصبح الأخير في مرمى نيرانه يكتوي بقراراته الانتقامية، فيصبح كالمعارض السياسي ينبذه الجميع ويخافون أن يصل إلى الحاكم بأمر الله خبر تعاطيهم معه جلوسا أو محادثة أو مجرد سلام، ويعيش هذا المعارض أتعس أيامه ولياليه فالأتباع تكرهه، والوصوليون يجعلونه متنا لوشاياتهم الواتسية والشفهية ويظل هذا المعارض أسيرا لمحبسين، ظلم الحاكم بأمر الله، وذوي القربى المؤلفة بطونهم قبل قلوبهم.
ويا لتعاسة المستضعفين الذين يرجون خلاصا يبقيهم أسوياء في بيئات لا تعترف إلا بأصحاب التمكن والقدرة والنفوذ.
عزاء المحرومين من التلذذ بالملوخية بأنواعها، أن الله يبعث في هذه الإدارات من ينصر المستضعفين ويحق به الحق ويزهق به الباطل، (إن الباطل كان زهوقا).
- علي المطوع