سأكتب إلي وأملأ صفحات وقوفي المتسائل في الغياب وأحاول أن أبعد عني شبح الفراق. سأقترب منك وإن كان ذلك الاقتراب في ذاكرتي وحسب، لا أضمن أن تجيء إلي من خلال الواقع وعلى نحو لحظة قصيرة لكنني عندما لا تأتي بك الأيام إلي. أثق بأن ذاكرتي لا تخونني وهي تخبئ كل فصول حكاياتي وتحسن استرجاعها. حياتنا أوراق تناوشها رياح الأيام وقد تغير عاداتها كثير من المفاجآت الطارئة لتشعل أحاديثنا حينا وتطفئها أحيانا أخرى ولذا فواقعنا يضطرنا إلى أن نعيد ترتيب أحداثنا كما يقتضي كل فصل من فصولها تماشيا مع رياح التغيير ومواسمه.
ما أشد عقد الحب الذي ينمو في مدن لا تتقن الأحاسيس ولاتبالي بحاجة أية عاطفة إلى جمرها.
هل ينتظر مني قلبي أن أنوح أو أبوح بما يتربع في قامتي، وأعلن بأن الحب الذي كلما ابتعدت عنه وأبعدته عني تربع أضلعي ليشلها بالكامل ويسطو على طمأنينتها بمادته القلقة التي تقلب كونيتي وتقضي على هدأتي.
ليس لي من خلود إلا بما تفسره لي صنوف لا تتوقف عن استدعاء حبها لينطق في ظرف الكلام دون مواعيد مسبقة. لا أمتلك إلا تخيل الغياب في الغياب يناديني بكل عبارات الغرام الخاصة بيننا، قاموس من اللذة المرشوشة باللهفة وتناغماتها بخصوصية لايفهمها سواي، هذا الانعطاف في لغة الكلام هو مايضطرني إلى هجر مترادفات اللغة والاكتفاء بما استحدثناه في قاموسنا وما انطفأ من يومياتنا القصيرة.
إنني لغة مأسورة بما لاينتهي في الكلمات التي أحيا فيها حياتها فيّ.
أحسبني أتلذذ بمفردات أتبادلها مع الكون دونما تكلف أو خجل أو تنميق.
لايعرف الزيف مكانا أو ركنا بيني وبين نفسي وحينما لايشتهيني الكلام فهناك للصمت وللدهشة كثير من النبرات الهامسة بيننا لاتتجاوز حكايا الآن التي فصلتها لأحلامي ومشاعري الملتهبة بأحاسيسي البكر. لكأنني مراهقة تجاذبها الولع بالإلهام وألهبها الغرام بالمتخيل دون حدود. هذا التناغم المتحرر من قيد اللفظ هو واحد الحلول المضادة للواقع حتى وإن كان متخيلا وحسب.
- هدى الدغفق