يمكن تصنيف المجموعات الموصومة بالإرهاب في المنطقة الي قسمين رئيسيين علي الأقل.أحدهما تمثله أحزاب او تيارات علنية معتبرة وطنياً ومنخرطة في سياسة بلدانها وممثلة أحياناً في مجالسها النيابية ولها إعلامها العلني الفاعل.ورغم ان كثيراً من أنشطتها وبرامجها مكشوفة للعيان فإنها متهمة بنشاطات وعمليات إرهابية او مشبوهة.وتحظي هذه الأحزاب والتيارات بدعم دولة إقليمية كبري مادياً وسياسياً وإيديولوجياً.كما أنها لا تعاني من أي استهداف دولي ولا يتعرض المنتمون إليها للملاحقة ولا الحد من أنشطتهم وأعمالهم العنفية لا داخل مجتمعاتهم ولا في بعض دول الجوار،رغم تواتر اتهامها بالإرهاب من بعض القوي الدولية من حين لآخر.
وتتميز في الغالب ان أعمالها وعملياتها تحقق انجازات متراكمة وتحصد مصالح تدعم تنظيمها وموقعها داخل مجتمعاتها ولذا يمكن القول ان عملياتها السرية والمكشوفة محسوبة ومحددة ولا يمكن وصفها بالعشوائية.كما انها تمثل شريحة اجتماعية واضحة تدين لها بالولاء والإنتماء، وتحظي بتأييدٍ علني نخبوي وشعبي ممن يشتركون معها في المرجعية الأيديولوجية في مختلف دول المنطقة.
أما الصنف الآخر فهو المجموعات والخلايا السرية التي لا يقتصر تواجدها وتنفيذ عملياتها علي دولة بعينها او موقعٍ جغرافيٍ محدد وان يكن لبعضها كيان جغرافي واضح المعالم نوعما مع الكثير من الغموض التنظيمي والسياسي. وعلي العكس فإن هذه المجموعات لا تنتمي لدولة وطنية ولا تدّعي انها مدعومة من أي قوة إقليمية أو دولية كما لا تزعم أي دولة أنها تتبناها او تدعمها،بل علي النقيض فإن هذه المجموعات السرية علي عداءٍ تام مع الجميع وتستهدف بعملياتها دولاً إقليمية وغربية متعددة كما تقف جميع الدول الإقليمية والدولية منها موقف العداء وتعلن استهدافها،ولا تحظي بأي تأييد او تعاطف علني لا نخبوي ولا شعبي من قِبل من يشتركون معها في المرجعية الإيديولوجية النظرية لا في النزعة العملية العنفية.والمؤكد أنها لا تحقق إنجازاتٍ ولا تحصد مصالح واضحة ولا توجد اي شرائح شعبية موالية او داعمة لها رغم انها تعيش في وسط هذه الشرائح الشعبية وتفرض عليها نمط عيشها وسلوكها وتجعلها مرتهنة للمخاطر والتهديدات التي تستهدفها سواءاً من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب او من الدول القطرية التي تتشاكل معها وتتناقض معها في التوجه والإيديولوجيا المعلنة.
والواقع ان كل هذه التناقضات والغموض في هذا الصنف الاخير الموصوف بالإرهاب، ولكون معظم عملياته الإرهابية العشوائية وعبئه الوجودي يقع علي من يدّعي مشاركتهم في الإنتماء الإيديولوجي ،يثير أكثر من علامة استفهام حول طبيعة نشوء هذه الجماعات ومصادر تمويلها وانتشارها وبقائها.
هناك أطراف كثيرة تستفيد من الصورة اللماعة والمضخّمة لجماعات الإرهاب العشوائي يأتي في مقدمتها القوي الدولية المتنفّذة علي اختلافها، فهي المبرر الأقوي لتدخلاتها في المنطقة وإعادة رسم خرائطها السياسية والجغرافية واستنزاف مواردها وجهود شعوبها وكبح تقدمها ونمائها.كما تستفيد بعض الانظمة السياسية والقوي الإقليمية إما لتقوية أذرعتها الأمنية والعسكرية الباطشة وعسف شعوبها علي قبول الأمر الواقع والمفاضلة بين الأمن النسبي مقابل الفوضي المنتظرة علي حساب الحرية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المبتغاة،كما تستخدمها قويً إقليمية بارزة ذريعة للتدخل وإرباك أقاليم ومجتمعات مناوئة لها في المنطقة سياسياً وإيديولوجياً.
كما ان الصراع الفكري والعقائدي يستخدم هذه الظاهرة الارهابية وأعمالها وفكرها المعلن وضحاياها أداةً فعالة في السجالات التي زادت وتيرتها في العقدين الأخيرين وساهمت في رفع درجة الاحتقانات الثقافية والاجتماعية والسياسية لدي شعوب المنطقة.
وأخيراً فإن المسألة الإرهابية ليست العامل الوحيد في إضعاف وإشعال المنطقة،فهي تتكامل مع وتتغذي من بيئات الفقر والتردي التعليمي والعلمي والفشل التنموي والصراع الإيديولوجي والإشكالات السكانية والاجتماعية والتفاوت الفاحش في الدخول سواءاً بين دول المنطقة او بين طبقات المجتمع الواحد،إضافةً الي التدخلات الدولية الضاغطة والصراع التنافسي الحاد بين دول المنطقة.
إلا ان موضوع الإرهاب ربما يمثل الجذوة اللاقحة لولادة الشرق الأوسط الجديد، وهو المشروع العتيد للقوي المتنفذة، الذي تم التبشير به في مراحل سابقة دون كشف تفاصيله، ويبدو المسرح جاهزاً لاستكمال فصول الدراما الدامية بأدوار تبادلية لخليط من الممثلين المحترفين والمبتدئين وبمزيج من المضامين التراجيدية والكوميدية او بما يشبه الكوميديا السوداء ان صح التعبير.
- عبدالرحمن الصالح