قال: إنها ليست مذكرات شخصية ولا سيرة ذاتية ولا تقارير رسمية بل تجربة إنسانية استجاب لكتابتها بعد تمنعٍ طويلٍ وإلحاح من محبين طلبوا منه الكتابة فاعتذر واعتذر ثم استجاب.
ومن يقرأ مئتي صفحة تزيد قليلًا من الكتاب الموسوم : (إن لم فمن !!؟) بقلم «الناثر» خالد الفيصل فلن يخطئَ «الشاعر» فيه ؛ فالنصوص التي جاءت في بضعة أبواب وعدد من الفصول ولو لم يسمِّها كذلك رصدت مسيرة الأمير منذ ولادته في مكة في فجر يوم الخامس عشر من شهر الله المحرم عام 1359هـ ( 20 فبراير 1940 م ) خلال غياب والده في مهمة خارجية وأذان الوزير عبدالله السليمان في أذن المولود بتكليف من الملك عبدالعزيز ، ابتداءً بالغربة الأولى حين انفصل والداه قبل أن يكمل عامه الثاني وارتحال والدته ( هيا بنت تركي ابن عبدالعزيز ابن عبدالله ابن تركي) إلى الأحساء للإقامة مع والدتها (سارة بنت عبدالله ابن جلوي ) بصحبة صغيريها خالد ذي العامين وسعد ذي العام الواحد، ومرورًا بلقائه الأول «باثنين» لم ير مثلهما في حياته ؛ جده عبدالعزيز ووالده فيصل في الأحساء وسفره معهما وهو ابن الرابعة إلى الظهران، وسؤال الملك عبدالعزيز له : من الأمير فيكم ؟ أنت أم أبوك أم خالك سعود ؟ ورد الطفل : «حضرتَ ولا عاد لغيرك سنع»، ووصلًا بالغربة الثانية حين درس في الطائف وأكمل الثانوية في الولايات المتحدة وقرر إكمال الدراسة الجامعية في بريطانيا حتى جاءه التكليف الرسمي بالعمل في رعاية الشباب ومن ثم العودة للوطن.
وفي فصل «رعاية الشباب عجاج وضباب» حكايات تستحق كل واحدة منها الإفراد بدءًا بمهمته الأولى في طهران وختمًا باعتذار طهران عن عدم استقبال المنتخب الوطني وبينهما أسابيع الإخاء ومنتخبات المناطق ودورة الخليج ولقاء الشيخ الطنطاوي والبرنامج الإذاعي : يا شباب الإسلام وسواها حيث يجيء فصلا : الإمارة مسؤولية وأمانة وعلى شواهق عسير والتحولات الفكرية والثقافية التي سعى إليها حين عُين أميرًا للمنطقة وعودته السريعة إلى جدة وتوقعات الملك فيصل التي نقلها له الأمير سلطان عن «هروبه» من التحديات بينما كان يحمل ملفات المياه والكهرباء والاتصالات والطرق والصحة والأوليات التي ابتدرها هناك ومنها التحلية والطريق الدائري والسياحة التي آمن بأهميتها من أول يوم وصل فيه إلى أبها ومنه مع نخبة أكاديمية ووظيفية انطلقت فكرة الهيئة العليا للسياحة (وحولها أُرفق بالكتاب وثيقة تبين الاتفاق على إنشائها في ذلك الوقت المبكر وما تبع ذلك من إجراءات حتى رأت النور) وكذالك التلفزيون الملون وقرية المفتاحة ونادي أبها الأدبي وكلية السياحة والجامعة وصحيفة الوطن ، لتتوالى الفصول بعد ذلك : في ظلال الكعبة ، ومن الإمارة للوزارة، ثم إليها ، والعلاقة بين الفكر والإنسان عبر فصول تناولت : جائزة الملك فيصل العالمية ومؤسسة الفكر العربي ، وفيهما – كما في غيرهما – دروس والده الفيصل وموقفه حين علم باستشهاده ووفاة والدته بعد والده وعلاقته بأخيه الأمير عبدالله وبقية إخوته وتحديات التنمية والإجابة عن استفهام « من نحن وماذا نريد «، ومجتزءات من كلماته في بعض المناسبات الثقافية.
إن كتاب (إن لم فمن !!؟) يستحق القراءة المتأنية لا في مدتها ؛ فالكتاب لن يستغرق غير ساعة أو ساعتين للمُجدّ في المرور على صفحاته، لكنه يحتاج بعدها إلى وضع خطوط عريضة تحت إيماءات وتصريحات والتفاتات وإعراضات وقول وتجاهلات ستقود المتأمل إلى استنتاجاتٍ جديرة باستفهاماتٍ تجيب عن السؤال الأساس في هذه السيرة – المسيرة : فمن؟.
عبَر الأمير خالد الفيصل في كتابه هذا على كثير من التأريخ وعسير من القضايا ومتضادات من المواقف وأعماق في الرؤى تنتظر إضاءات وإضافات « إن لم تجئ منه فمنا».