«الجزيرة» - سالم اليامي:
تحتل المنشآت الصغيرة والمتوسطة حيزا مهما ومؤثرا في أي اقتصاد، ودعمها وتطويرها والارتقاء بأدائها يصب في مصلحة الوطن وأبنائه، ومن المؤكد أن أي قصور في هذا الجانب يفقد الاقتصاد الوطني مكاسب كبيرة إن كان على مستوى التنافسية أو على مستوى تعزيز فرص النمو، ومن هذا المنطلق تبرز أهمية الالتفات للمنشآت الصغيرة والمتوسطة و إزالة جميع المعوقات أمامه والدفع به إلى المنافسة في السوق من خلال تعزيز روح العمل الجماعي وتقديم الدعم المالي المباشر من خلال مؤسسات الدولة أو القطاع الخاص.
وفي وقت يجمع الخبراء والمختصون على أن إشكاليات التمويل تشكل أحد أهم وأكثر التحديات صعوبة، مقدرين نسبة التمويل الحالية بأنها لا تتعدى 5 % من إجمالي التمويل للمنشآت الصناعية والتجارية بشكل عام. ما يتطلب تظافر التحفيز الحكومي للمؤسسات المالية لرفع نسبة تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى %20 بحلول 2030 بما يتوافق مع رؤية المملكة المرتبطة بهذا العام، لاسيما وأن هذه الرؤية تتضمن برامج ومبادرات طموحة لتأسيس العديد من صناديق رأس المال الجريء.
تبسيط البنية التشريعية وضرورة دمج المشاريع
قال علي العثيم عضو مجلس إدارة غرفة الرياض رئيس لجنة شباب الأعمال بالغرفة إن واقع قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحالي لا يعكس قوة وحجم الاقتصاد السعودي كواحد من أكبر عشرين اقتصاداً في العالم، فبالرغم من أهمية هذا القطاع الذي يشكل أكثر من % 70من النمو الاقتصادي العالمي، نجد أن نسبة مساهمته لا تتجاوز %33 من الناتج المحلي (غير النفطي) للمملكة. وأشار إلى أنه في ظل رؤية 2030 التي تهدف إلى فك الارتباط بالنفط كمصدر رئيسي للدخل والتحول إلى اقتصاد أكثر دينامكية يعتمد على الاستغلال الأمثل لثروات المملكة الطبيعية والجغرافية والبشرية، فإنه يعول على قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة أن يلعب دوراً بارزاً في بناء قاعدة اقتصادية أكثر اتساعا وتنوعاً وأن يساهم في خلق وتوطين الوظائف. وأردف العثيم: لعل أبرز التحديات التي تواجه القطاع هي البنية التشريعية التي يشكل بعضها قيوداً في تسهيل انطلاقة المشاريع الناشئة والصغيرة واستمرارها واستدامتها ،لذلك فإن الأمر يتطلب الموائمة في فرض التشريعات والسماح للمنشآت الصغيرة والمتوسطة بأوضاع استثنائية تمكنها من المنافسة والصمود مما يحفز ضخ المزيد منها داخل شرايين الاقتصاد الوطني، فبعض التشريعات كالتي تخص الإحلال والتوطين على سبيل المثال تسببت في تعثر عدد من المنشآت وأعاقت نمو وتطور عدد آخر منها، لذلك فمن المهم تهيئة البيئة والبنية التشريعية التي تحفز نمو القطاع كتبسيط وتسهيل إجراءات ومتطلبات بدء مشروع جديد، وتهيئة وتبسيط أنظمة الاستثمار في شركات رأس المال الجريء والملكية الخاصة، وإجراءات الدخول والتخارج في المشاريع الناشئة والصغيرة لتحفيز الاستثمار فيها، بالإضافة إلى اعتماد حزمة من حوافز التمكين كمنحها نسبة من العقود والمشتريات الحكومية لرفع قدراتها التنافسية وتسريع نفاذها إلى الأسواق. وقال العثيم: أرى أهمية التوجه نحو دمج المشاريع الناشئة والصغيرة بسلاسل القيمة وسلاسل التوريد العالمية، وكذلك دمج وتوظيف الابتكار والمعرفة وتوطين التقنية بالقطاع لتحقيق النمو المستدام والتحول المنشود إلى اقتصاد المعرفة.
عقبة التمويل وتحفيز المصارف على الإقراض
فيما قال الاقتصادي أحمد الشهري إن المنشآت الصغيرة والمتوسطة تلعب دورا جوهريا في التحولات الاقتصادية، إلا أن الوضع الحالي لا يتعدى دورها الاقتصادي سوى بيع منتجات استهلاكية مستوردة أو تقديم خدمات بسيطة ومعتمدة على الإنفاق الحكومي أما على المستوى الصناعي التصديري ما زالت محدودة جدا واتصال المنشآت الصغيرة والمتوسطة بالعالم الخارجي مازالت محدودة، لذا من الأولويات التي علينا مراعاتها في الخطط الاقتصادية القادمة دعم الأعمال الصغيرة والمتوسطة عبر برامج مبتكرة مثل توأمة الشركات والمؤسسات وربط الدعم التمويل الحكومي بمثل تلك الأساليب التحفيزية وكذلك تقديم تمويل خاص للمنشآت التي تقدم قيمة مضافة في الإنتاج الصناعي. القروض البنكية مازالت تشكل عقبة أمام المنشآت الصغيرة والمتوسطة بسبب تشديد البنوك في الإقراض في مقابل أن الإقراض الاستهلاكي لا يواجه أي عقبات، ومؤسسة النقد تعتبر الجهة المعنية بتشريعات التمويل البنكي وتحفيز المصارف وتحديد جزء من المحافظ الإقراضية لصالح المنشآت الصغيرة والمتوسطة يمثل خطوة ينتظرها المجتمع الاقتصادي في مجال تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، مضيفا بأن المنشآت الصغيرة والمتوسطة تواجه منافسة شرسة من الاقتصاد الخفي ولاسيما العمالة الوافدة، «وللأسف أنه ينمو بشكل ملحوظ ولاسيما في مجال التجزئة». ولفت الشهري إلى أنه من المرشح أن تواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة تحديا آخرا عند فرض الضريبة المضافة على مدخلات التصنيع أو المواد المستخدمة على التصنيع مما قد يجعل نمو المنشآت الصناعية تتباطأ في مقابل أننا بحاجة إلى معدل نمو اقتصادي سنوي لا يقل عن 6%، وهذا يتطلب تحفيزا مفرطا وكبيرا جدا للمنشآت الصغيرة والمتوسطة. أما رفع أسعار الطاقة فيمثل تحديا جديدا على المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
أما على المستوى التسويقي فإن تراجع القدرة الشرائية على المدى القصير للمستهلكين يجعل المنشآت الصغيرة تخرج من السوق لنقص الخبرات في التعامل مع الوضع الاقتصادي العام أو وجود عوامل أخرى مثل الاحتكار وعدم تراجع أسعار الإيجارات.وأشار الشهري إلى أن فتح المجال للاستثمار الأجنبي في المجال التصنيعي الصغير والمتوسط يمثل الخطوة الأولى لخلق سوق منتج وديناميكي مما يعزز من فعالية السياسات الاقتصادية الأخرى مثل القيمة المضافة وزيادة وتيرة النمو الاقتصادي، فيما تقع مسؤولية ترقية المنشآت الصغيرة والمتوسطة على عاتق هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتقديم حلول لمعالجة الاختلالات بالإضافة إلى ضرورة تقديم المشورة لوزارة الاقتصاد فيما يتعلق بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة الحالية.
أهداف قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة
وكانت الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة قد حددت ستة أهداف إستراتيجية لتطوير القطاع، وهي التميز المؤسسي وتبسيط مزاولة الأعمال وفتح آفاق التمويل بالإضافة إلى دفع النمو وتطوير القدرات وتشجيع ريادة الأعمال. وأوضحت أنها تسعى إلى رفع مستوياتها في المساهمة بالناتج المحلي الإجمالي الكلي، لتصل إلى 35%، بدلاً من 20%، وحث المؤسسات المالية على زيادة نسب تمويلها لتصل إلى 20% بحلول 2030، كما تسعى إلى مراجعة الأنظمة واللوائح وإزالة العوائق، ومساعدة الشباب والمبدعين في تسويق أفكارهم ومنتجاتهم، إضافة لإنشاء المزيد من حاضنات الأعمال ومؤسسات التدريب، وصناديق رأس المال الجريء المتخصصة لمساعدة رواد الأعمال على تطوير مهاراتهم وابتكاراتهم، وأوضحت الهيئة أن أكبر التحديات أمام تلك المنشآت هما البيروقراطية والتمويل، مبينة أن المنشآت الصغيرة تسهم بنسبة 20 % من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالنسبة التي حققتها الاقتصادات المتقدمة، التي تصل إلى %70، وعلى الرغم من الجهود المبذولة للارتقاء بمستوى بيئة الأعمال، إلا أن المنشآت الصغيرة في المملكة لا تزال تعاني من تعقيد الإجراءات النظامية والإدارية وبطئها وضعف القدرة على جذب الكفاءات، وصعوبة في الحصول على التمويل. وأضافت أن مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي، أقل من نظيرتها في أكبر 15 اقتصاداً عالمياً بنحو 2 5 %. وفي حال نجحت المنشآت الصغيرة والمتوسطة في سد الفجوة مع نظيرتها عالميا، سيؤدي ذلك إلى ارتفاع قيمته 1.1 تريليون ريال في الناتج المحلي الإجمالي السعودي. وتأتي المملكة في الترتيب الـ 14 بنسبة مساهمة 53 % في توليد الوظائف في البلاد، فيما المعدل العالمي في أكبر 15 اقتصادا هو 67 %، وتساهم تلك المنشآت في التوظيف 2.5 ضعف أكثر من مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي.
تعريف المنشآت بحسب الإيراد وعدد الموظفين
وعرفت الهيئة المنشآت متناهية الصغر بالمنشآت التي يتراوح عدد موظفيها بدوام كامل بين 1 و5 موظفين، وإيراداتها بين صفر و3 ملايين ريال، بينما عرِّفت المنشآت الصغيرة بالمنشآت التي يتراوح عدد موظفيها بدوام كامل بين 9 و49 موظفا، وإيراداتها بين أكبر من 3 ملايين ريال وحتى 40 مليون ريال، فيما المنشآت المتوسطة هي المنشآت التي يتراوح عدد موظفيها بدوام كامل بين 50 و249 موظفا، وإيراداتها بين أكبر من 40 مليون ريال وحتى 200 مليون ريال، والمنشآت الكبيرة هي التي تتجاوز أيا من المعايير أعلاه. وتقدر مشاركة المنشآت الصغيرة والمتوسطة بنسبة أقل من 5% من إجمالي نسبة الصادرات غير النفطية، فيما تتراوح المشاركة في أكبر 15 اقتصادا في العالم بين 31 % و60 %. ما يعني أن المملكة أقل كثيرا من المعدلات العالمية. ووضعت هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة معيارين لتقسيم المنشآت، هما عدد الموظفين بدوام كامل، والإيرادات، فيما يرجح التصنيف للمنشآت الأكبر في حال اختلاف المعيارين. يُذكر أن إيرادات المنشآت الصغيرة والمتوسطة في السعودية، ارتفعت بنسبة 6.1 % خلال الربع الثاني من العام الجاري، لتبلغ 220.7 مليار ريال، مقابل نحو 208 مليارات ريال في نفس الفترة من العام الماضي، بزيادة قيمتها 12.8 مليار ريال. ووفقا للتحليل، تبلغ مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة 29 في المائة من الإيرادات الإجمالية للمنشآت في السعودية في الربع الثاني من العام الجاري، البالغة 754.7 مليار ريال.
دعائم مهمة لتيسير مزاولة الأعمال
وترتكز الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة على عدة دعائم مهمة هي تيسير مزاولة الأعمال: والتي تقع ضمن الأهداف الاستراتيجية التي وضعتها الهيئة، ومن الخطوات والإجراءات التي اتخذت لتحقيق هذا الهدف: تحسين التنظيمات والإجراءات، التنظيم والتسهيل، مركز خدمة متعدد القنوات، ومن بين المبادرات الحالية التي تصب في هذا الاتجاه: تطوير الأنظمة والقوانين، ومركزي الخدمات الموحد. كما وضعت الهيئة ضمن استراتيجياتها المرحلية والمستقبلية خيار دفع النمو، الذي يتمثل في خلق فرص أمام المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتحقيق النمو من خلال تحفيز الوصول إلى السوق، إلى جانب تطوير القطاعات والمناطق، ومن بعض المبادرات الحالية في هذا الإطار: الامتياز التجاري، المشتريات الحكومية، وتطوير قطاع الحج والعمرة، وتطوير القطاع التجاري. ومن ضمن دعائم الارتكاز فتح آفاق التمويل، وتتم عن طريق تعزيز منظومة رأس المال السليمة. ومن الإجراءات والخطوات المتخذة لتحقيق هذا الهدف: برامج: التمويل الإقراضي، التمويل غير المباشر التمويل الرأسمالي، ومن أمثلة المبادرات الحالية: تأسيس جمعية مهنية لقطاع رأس المال الجريء والأسهم الخاصة، صندوق الصناديق كفالة، في حين يمثل تطوير القدرات مرتكزا حيويا مهما في بناء القدرات وتطوير الشبكة. حيث تم العمل على مجموعة من البرامج والمبادرات لتحقيق المرجو من هذا الهدف، ومنها برامج لاستقطاب الكفاءات وتطويرها، تطوير الجهات الداعمة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، فضلا عن تطوير قدرات المنشآت الصغيرة والمتوسطة. ومن المبادرات الحالية في هذا الجانب: تملك الموظفين، تطوير الغرف التجارية، والخدمات المشتركة. كما وضعت الهيئة ضمن ركائز الدعم للمنشآت الصغيرة والمتوسطة تشجيع ريادة الأعمال من خلال زيادة الوعي وتشجيع الابتكار.
بنك التنمية يدعم مشاريع العربات المتنقلة بـ250 ألف ريال
وكان بنك التنمية الاجتماعية قد انتهى من إعداد لائحة دعم مشاريع العربات المتنقلة، بالشراكة مع معهد ريادة، حيث تم فتح التقديم في البنك لدعم مشاريع العربات المتنقلة، بمبلغ 250 ألف ريال. وفيما يخص الشروط العامة اللازم توفرها في طالب التمويل فهي كالتالي: أن يكون طالب التمويل سعودي الجنسية وتتوفر فيه شروط التقديم. وفيما يتعلق بالمؤهلات والخبرات فإن الأنشطة الخدمية والتجارية لا يشترط خبرة فيها ويتم التقييم بواسطة المقابلة الشخصية ويشترط القدرة على الكتابة والقراءة. أما الأنشطة المهنية فيتطلب مؤهل مهني أو خبرة لا تقل عن ستة أشهر، وألا يقل عمر المتقدم عن 21 عاما ولا يزيد عن 60 عاما، ألا يجمع بين طلبي تمويل من برامج البنك التمويلية، أن يتفرغ لتشغيل مشروعه، وأن يسمح الوضع المالي والائتماني للمتقدم بالحصول على التمويل، وتعبئة نماذج التقديم الخاصة بكل برنامج، واستكمال المتطلبات الأخرى المتعلقة بإتمام عملية التقييم المتبعة في البنك، وأن يتم تقديم ضمان عيني أو كفيل غارم بما لا يقل عن 70 في المائة من قيمة التمويل المطلوب من البنك، ويكون الحد الأعلى للتمويل من البنك 250 ألف ريال. بدورها دعت الغرفة التجارية الصناعية بالرياض رواد ورائدات الأعمال أصحاب المشاريع الناشئة والصغيرة، إلى الاستفادة من الخدمات التي يقدمها برنامج «تسعة أعشار» والذي يوفر حلولاً مبتكرة لتمكين المشاريع الناشئة والصغيرة ودعم رواد الأعمال، ومن أهم هذه الخدمات خدمة «فرصة» للوصول للمنافسات، وهي خدمة إلكترونية توفر لمنشآت رواد الأعمال الناشئة والصغيرة فرصة الوصول للمنافسات التي تطرحها الجهات الحكومية والشركات الكبرى وتقديم عروض الأسعار إلكترونياً.
وقال علي العثيم عضو مجلس إدارة غرفة الرياض ورئيس لجنة شباب الأعمال أن تمكين المشروعات الناشئة والصغيرة يساهم في مضاعفة فُرص نجاحها واستمرارها، وتحفيز ضخ المزيد منها داخل شرايين الاقتصاد الوطني، وهو ما يمثل أحد أهم مرتكزات برنامج التحول الوطني لتحقيق رؤية المملكة 2030 الذي يستهدف رفع نسبة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي من %33 إلى %35 ، وكذلك خلق المزيد من فرص العمل برفع نسبة العاملين فيها إلى إجمالي العاملين في القطاعين العام والخاص من %51 إلى %53 بحلول 2020.