سلمان بن محمد العُمري
لا يكاد يمر يوم من الأيَّام إلا ونقرأ في الصحف عن إعلان براءة ذمة لمتوفى، وإعلانات أخرى بالجملة لتصفية تركة وميراث، ويزيد عليها عدداً ومرارة وألماً القضايا المرفوعة في المحاكم بين الورثة، والدعاوى التي ترفع بين الإخوة والأخوات، وتتنوع الدعاوى التي ترفع أمام المحاكم الشرعية بين دعوى إثبات وصية أو إلغاء وصية، ذلك أن الموصي مات دون أن يثبت ذلك لدى المحكمة الشرعية وإنما أوصى بورقة وقّع عليها أو أمام شهود، فتقوم الخصومات بين الورثة - نسأل الله العافية - ناهيك عن المطالبات التي يتقدم بها المدعي صاحب الطلب على أهل المتوفى، ومعظم هذه الإعلانات والمطالبات والقضايا كان بالإمكان تقليصها وتقليلها لو أن الناس التزموا بما جاءت به الأوامر الإلهية وبالسنة النبوية من كتابة المداينات والقروض والبيوع والأمانات والحقوق بوجه عام، والوصية مشروعة في الكتاب والسنة؛ قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} (البقرة: 180).
لقد تساهل بعض الناس في هذه الأمور، كما تساهلوا أيضاً في كتابة وصاياهم وما يتبعها من الحقوق التي تقع في ذمة الموصي، والوصية ليست واجبة، بل مستحبة إذا أحب أن يوصي بشيء؛ لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلَّم - أنه قال: «ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده»، لكن إذا كانت عليه ديون أو حقوق ليس عليها وثائق مثبتة لأهلها، وجب عليه أن يوصي بها؛ حتى لا تضيع حقوق الناس، وينبغي أن يشهد على وصيته شاهدين عدلين، وقد عني السلف بهذا الأمر، قال الإمام الشافعي: من صواب الأمر للمرء ألا تفارقَه وصيتُهُ.
وقال بكر المزني: إنِ استطاع أحدُكم ألا يبيت إلا وعهدُه عند رأسه مكتوبٌ، فليفعل، فإنَّه لا يدري لعله أنْ يبيتَ في أهلِ الدُّنيا، ويُصبح في أهلِ الآخرة.
لا أحد يضمن عمره ولا يعلم أجله صغيراً كان أم كبيراً، ومن المفاهيم الخاطئة لدى الكثير أنّ الوصية تكتب لمن جاوز السبعين أو قاربها وإن كان إهمال الوصية صار من الجميع صغاراً وكباراً.
لقد تقاصر بعض ضعاف النفوس دون تنفيذ وصايا آبائهم وأمهاتهم وهي مكتوبة وسعوا إلى تعطيل تنفيذها أو الالتفاف والتحايل عليها منعاً بالكلية أو التقصير في التنفيذ، لتوفير أكبر قدر من الأموال التي تركها المورث فكيف والمتوفى لم يدون وصيته فهذا أولى بالضياع وعدم تحقيق رغبة المتوفى والدخول في منازعات بين الورثة أو من لهم مطالبات وحقوق.
ومن الأخطاء في الوصايا إن كتبت الحيف على الورثة إجماعاً أو على بعضهم فلا يوصى بأكثر من الثلث، ولا وصية لوارث، والبعض ينتقم من ورثته وقطيعتهم بأن يوزع الكثير من ماله ليحرم الورثة مما تبقى، وآخرون يقومون بتخصيص شيء لبعض الورثة صراحة أو يوكل لهم إدارة مشروع خيري للموصي لا ينازعه فيه أحد ويكون لإدارته نسبة أو مبلغ مخصص وكأنه ريع مخصص له، في حين بقية الورثة قد حرموا مما أوصي به فيؤدي ذلك إلى الخلاف والشقاق والحقد والبغضاء والكراهية بين الورثة وتكون الوصيّة وصيّة ضرار.