جاء رمضان وهلّت أنواره وتجلّت بركة وقته ومواسم خيراته، وفي كل عام مع بداية رمضان يبدأ كثيرون منا بجد ونشاط منقطع النظير غالبا ما تخبو جذوته وتصاب النفس بالنفور شيئاً فشيئاً!!، واعتقد أننا في حاجة لا للتذكير بأفضل الأعمال في رمضان - فهي معروفة لدينا - بل نحن في حاجة للوصول إلى لياقة إيمانية تؤهلنا لمواصلة ذلك السعي الإيماني لإستغلال موسم رمضان والعمل بذات الآلية التي يعمل بها الرياضيون حين ممارستهم لرياضاتهم فمثلا لا يركض أحدهم قبل أن يعمل التدريبات السويدية وما يسمى بعرفهم بـ(التسخين)!!، فعلى سبيل المثال خلال رمضان لا يأتي من لم يقرأ القرآن الكريم إلا نادراً طوال العام ويقول مثلاً سأختم في ثلاثة أيام أو ثلاث ختمات فذلك بلا شك جميل ولكنة مرهق له فَلَو أنه ختم مرة واحدة في شهر رمضان هذا العام مع استمراره طوال العام على ورد يومي يزداد يوماً بعد يوم وفي رمضان القادم يزيد فيختم فيه أكثر وهكذا في الرمضانات التي تليه يزيد أكثر فأكثر دون أن يتجاوز المقدار الشرعي!!، وهكذا الحال في باقي النوافل!!.
ومن ذلك استغلال الوقت في رمضان في أعمال صالحة وجعل رمضان نقطة انطلاق للديمومة مستقبلا على تلك الأعمال وذلك عبر عدة نقاط منها الحرص على أن لا تفوتك تكبيرة الإحرام مع جماعة المسجد وليكن رمضان بداية لك للحرص عليها طوال عمرك، وكذلك في رمضان أيضا أوقات ذهبية لا تفت عليك وهي قبيل الإفطار فلا تضيع تلك اللحظات بأحاديث جانبية أو تجهيز السفرة التي يحب أن تجهز قبل ذلك لأجل أن تستغل تلك اللحظات في عبادة واحدة هامة جداً وهي الدعاء وما أدراك ما الدعاء؟! فالصائم له دعوة لا ترد عند فطره!!، أما الوقت الثاني فهو عند السَّحَر وهو في الثلث الأخير من الليل وهو وقت ربما يمر على كثير منا طوال العام كل ليلة وهم نائمون أما في رمضان فكلنا نأكل وجبة السحور لذا علينا أن نستغل تلك اللحظات المعدودات في صلاة الليل والدعاء ففي هذا الوقت الثمين ينزل ربنا جل وعلا إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تكييف ولا تمثيل فيقول سبحانه كما ورد في الحديث المتفق عليه ( من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له)!!،
- ولله المثل الأعلى - لو قال ذلك ملك من ملوك الدنيا لتزاحم الناس على بابه في الوقت المحدد وسألوه حاجتهم!!، فكيف والقائل هو الله جل وعلا!!، لذا هذا الوقت وهو الثلث الأخير من الليل وقت ثمين وعوائد استغلاله مجزية جداً فحري بنا استغلاله وليكن رمضان بداية لذلك ولنستمر عليه طوال العام!!.
أما الوقت الثالث فهو الجلوس في المسجد أو المصلى بالنسبة للنساء في البيوت واستغلال وقت الجلوس في ذكر الله إلى ما بعد شروق الشمس وارتفاعها قيد رمح وقد حدده الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله بما يقارب ربع ساعة فله أجر حجة وعمرة تامَّة تامة كما ورد في الحديث وليكن على ذلك باقي العام.
الطاعات كثيرة لا يمكن حصرها في مقال كهذا المقال ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق فلنجعل من رمضان نقطة انطلاق في عباداتنا لنزداد صلة بربنا طوال ما تبقى من حياتنا!!.