تأليف: الأديب النضير والأديب الوثير
حمد بن عبدالله القاضي
قراءة:
حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
(بنت الأعشى)
حمد بن عبدالله القاضي، أديب متأدب، وأديب متأرب، ومثقف متثقق، يستهويك نثره، ويجتمع بوجدانك أدبه، إن أطال جذبك، وإن أسهب أعجبك، وإن اقتصر واختصر أقنعك، حيرني أسلوبه، وتيمتني سلاسة قلمه، إن أردت أن تعرف من هو حمد بن عبدالله القاضي في كتابه (مرافئ على ضفاف الكلمة) فاقرأ الأديب مصطفى لطفي المنفلوطي في عبراته ونظراته، المنفلوطي هو الأخطل الكبير، والقاضي هو الأخطل الصغير، تزاوج عجيب، وامتزاج رهيب، علمان وجبلان وأديبان لا يعرفان إلا جنة معطاءة، تتداعج أنهارها، وتتدفق وديانها بالحب والخير والنور والسلام والأمل والتأمل، والبهجة والابتهاج. فرق زمني طويل بين الرجلين، وعمر مديد شتيت بين الأديبين، إلا أن الله جل في عالي سماه يجمع الشتيتين، ويقرب المتباعدين، وقد يجمع الله الشتيتين، بعد أن لا تلاقيا. مصطفى لطفي المنفلوطي له من الله الرحمة والغفران مصري أصيل، وصعيدي نبيل، وحمد بن عبدالله القاضي سعودي مؤصل، وعنيزي موثق، وقصيمي أبلج، كلا الأديبين لا يعرف إلا لغة الصدق، يعزفان على وتر نثري واحد، وينشدان ترانيم أدبية متواحدة.. ولشعري بينهما ترادف وتشاكل وتشابه، والأرواح كما يقول منفلوطينا السعودي الأصغر تحت عنوان مقالة ثرة، ومقامة وثيرة، عنون لها بعنوان خلاب، ووسم أخاذ، فحواه التالي: (إنه سر تلاقي الأرواح وحسب) يقول في ثناياها: (إنه سر عجيب، أمر يعود إلى تجانس الأرواح قبل أي شيء آخر، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسم الذي لا ينطق عن الهوى: «الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف». وقد صدق ورب هذه النفس التي خلقها فسواها.. الأرواح وتآلفها، فهو وحده ما يفسر تآلف بعض الناس وتقارب الأشخاص، وهو وحده ما يفك لغز ارتياحك للبعض وعدم ارتياحك لبعضهم الآخر، إنه فقط تآلف الروح مع الروح). والسؤال الطارح لنفسه بعمق ودقة: كيف يرى الأخطل الصغير والمنفلوطي القصيمي الكبير حديث العيون، وبوح النظرات، من منطلق قول الشاعر الأول:
والعين تعرف من عيني محدثها
إن كان من حزبها أو من أعاديها
ومن وجهة نظري - والحديث لأبي بدر (حفظه الله ورعاه) - أن «لغة العيون لا يعوّل عليها كثيراً». والسؤال الذي نطرحه لأبي بدر بعينيه المتوقدتين بقوة الفراسة، والقدرة على اقتفاء الأثر: لِمَ لا يعول من وجهة نظره على لغة العيون؟ وإذا به حاضر البديهة، مقدام الطرف، حيث حدثنا بقوله: (فالعيون كثيراً ما تكون مخادعة، وآونة تكون لغتها صعبة، لا يستطيع كل إنسان أن يفك طلاسمها). وكأنه يعوّل على قول العرب القديم: (ما أسر أحد سريرة إلا وأظهرها الله على صفحات وجهه وفلتان لسانه). وأبرز ما في صفحات الوجه العيون، فلله درك يا أبا بدر ودر لسانك.
الكتاب توثيقي من الدرجة الممتازة، ويحفل بصور بديعة أنيقة، أرى فيها حكمة وتؤدة وحنكة معالي الوزير عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر - عليه من الله العفوان والرضوان والجنان -. صور كلها تنطق بهدوء القول، وقوة الفراسة، والقدرة الشديدة الخارقة على اقتفاء الأثر، وقص الخبر.. فرحمك الله يا أبا محمد رحمة واسعة، وجعلك بجنات عريضة دائمة، وحور عين متطاولة بالجمال والبهاء والنقاء، ورحمة العظيم المنان. وفي الصور أجد عينين تنطقان بذكاء شديد، وحماسة وبسالة واسترسال شبابي مقدام.. وتلك هي عينا حمد بن عبدالله القاضي، هو أبو بدر، وعيناه عينا بدر في أشد حالاته من استواء، واستدارة وكمال، فرحم الله السابقين، وأفضى على الباقين بركة وأمناً وخيراً. وللقاضي قريحة أدبية شعرية عالية؛ فليته يقول الشعر، لجاءنا ما يحسن ويعجب ويبهر.. فعلّ فأله فأل النابغة الذيباني، قلبته أيامه من ناقد إلى شاعر، وتطاولت به الأزمان إلى صناجة شعرية حكيمة، تقدم إقدام الأسد على أشباله، وما ذلك على المولى بعزيز. تاقتني اختيارات أبي بدر في آماليه الكلامية، ومجالسه الأدبية، فهو أخطلي منفلوطي خويطري قاضي.. أمتعك الله أبا بدر.
** **
عنوان التواصل:
ص.ب 54753 الرياض 11524
hanan.alsaif@hotmail.com