محمد جمعة عبدالهادي موسى
الحديث عن القيمة التوثيقية للمكتبات الفيلمية والتلفزيونية كأحد مصادر المعلومات حديث شائك وشائق؛ ومرجع ذلك إلى ارتفاع تكلفتها الاقتصادية -حين استخدامها- من ناحية وندرتها وخصوصيتها من ناحية أخرى؛ فالتصرف في استخدام المحتوى الفيلمي والتلفزيوني محدود على الجهة التي أنتجته وامتلكت حق ملكيته -حتى تنقله إلى جهة غيرها- وسنناقش ذلك؛ إلا أن هذه الصعاب لا تقارن بالدور الكبير الذي يمكن أن تؤديه هذه المكتبات في خدمة الوثائق العربية.
وبالإمكان توضيح ذلك من جانبين؛ جانب المكتبة الفيلمية التلفزيونية التي تحتوي على مواد مسجلة بالصوت والصورة، وجانب يتناول نوعا آخر هام أيضا وهو المكتبة الفيلمية التي تتضمن مواد مصورة كمخطوطات وغيرها.
أما مكتبة الوثائق الفيلمية التلفزيونية فهي تعد أرشيفًا ذا قيمة توثيقية نادرة وهامة يتطلع إلى مشاهدته كل مهتم بالأرشيف التلفزيوني المسجل بالصوت والصورة؛ وهما الخاصيتان اللتان تبرهنان على المصداقية العالية بما يجعل المكتبة الفيلمية تفوق غيرها من الوثائق، فهي من أجود أنواع الوثائق ربما مُطلقًا على اختلاف الموضوعات والتخصصات.
وتتجلى صعوبة استخدام محتوى الوثائق الفيلمية التلفزيونية من حيث ندرته في كونه حصريًا على الجهة التي قامت بصناعة مواده، والتي احتفظت بحق بثه واستخدامه، فملكية مواده إليها تعود، وبإذنها تمنح الجهات الأخرى حق بثه من عدمه، خاصة أن هذه الجهات لا يمكنها نقل ملكيته مرة أخرى إلا بإذن صاحب المصدر نفسه. كما أن هذه المكتبة بمحتواها الفيلمي يُعتبر هامًا أيضًا لما ترتقي إليه القيمة الصوتية والتلفزيونية غيره من الوثائق، بل لعلها أكبر.
وتمثل المكتبة الفيلمية مصدرًا حيويًا للقنوات والمؤسسات الإعلامية التي تحتاج إلى حفظ موادها التلفزيونية لحين استخدامها في التقارير على اختلاف أنواعها سواء كانت تقارير سياسية أو اقتصادية أو رياضية أو ثقافية وغيرها من التقارير التي تحتاج إلى الاستعانة بالمواد المأرشفة بالمكتبة الفيلمية أو التلفزيونية.
ولا يكتفي الباحث الذي يختلف حسب تخصصه بالاطلاع على جوانب موضوعاته من خلال الكتب والوثائق المطبوعة، وإنما يمكنه بالبحث في مكتبة الوثائق الفيلمية أن يعثر على أكثر مما كان يتمناه من معرفة خلال المشاهدة أو الاستماع؛ فالمكتبة الفيلمية هي في حد ذاتها ترجمة حية وواقعية لما هو مطبوع من وثائق.
وتقسم المكتبة التلفزيونية إلى موضوعات على قاعدة البيانات التي تقوم على أرشفة محتواها إلى تصنيفين: رئيسي، وفرعي، فمن الأساسي: المحتوى السياسي، والاقتصادي، والثقافي، والرياضي، وتتشعب هذه الموضوعات الرئيسية إلى موضوعات فرعية متعددة ومختلفة، فالجانب السياسي على سبيل المثال يشمل الانتخابات على اختلافها: انتخابات الرئاسة، انتخابات البرلمان، انتخابات النقابات العمالية، فضلا عن المواد الفيلمية المسجلة عن مؤتمرات الوزارات، كوزارة الخارجية أو الداخلية.. والمؤتمرات الصحفية للوزراء، وغيرهم. أضف أيضا جلسات البرلمان (مجلس الشعب)، والتي تسجل جلساته ومناقشاتها ولجانه، وفي الإطار الخارجي، يتم تسجيل مؤتمرات القمم العربية، وغيرها من المؤتمرات التي تخص الشأن الدولي والعربي، وغيرها.
وحتى تكون المكتبة الفيلمية مهيأة للاستخدام والبحث في محتواها يتم تحليل مواد المكتبة الفيلمية (تفريغ محتواها) بذكر عناصرها من كافة الجوانب، ويحتاج ذلك إلى الدقة: بذكر أسماء الشخصيات، والأماكن والمقرات والشوارع والميادين، واللافتات، واليافطات، وما هو مكتوب عليها، كما يتم تحليل جوانب الشخصية بذكر وظيفتها، كأن يذكر شخصا يمثل وزيرًا للخارجية، ثم عندما كان سفيرا، ثم عندما تم ترشيحه لمنصب آخر، وهكذا. مع مراعاة - حين تفريغ محتوى المادة الفيلمية- تسجيل تاريخ الحدث.
أما المكتبات الفيلمية - غير التلفزيونية- فهي التي تتيح تسجيل العديد من مصادر المعلومات على أفلام خاصة بمساحة صغيرة جداً وحفظها في أماكن صغيرة؛ بحيث يمكن استرجاعها في أسرع وقت ممكن عند الضرورة، ويمكن تخزينها بتصوير النسخ الأصلية من الوثائق على شكل أفلام مصغرة من المواد والوسائط البصرية التي تستنسخ عليها الكتب والدوريات والوثائق المختلفة بصورة مصغرة جداً بحيث لا يمكن قراءتها في حجمها المصغر وبالعين المجردة، وبالتالي إعادتها إلى حجمها واستنساخ صورة ورقية عنها إلا بوساطة أجهزة القراءة (Readers) والاستنساخ الخاصة بها. (عمر أحمد وآخرون: المصغرات الفيلمية في أساسيات علم المكتبات والتوثيق والمعلومات، الرؤى العصرية للنشر، عمان، طـ1، 1996، ص 114).
وتمثل المصغرات أو الأشكال المصغرة مصادر معلومات وثائقية مهمة للعديد من المكتبات ومراكز المعلومات في البلدان العربية المختلفة، وعلى الرغم من قدم هذا النوع من تقنيات المعلومات إن صح تسميتها بذلك، إلا أنه ما يزال العديد من المكتبات ومراكز المعلومات تحتفظ بها وتستخدمها.
ومن الجدير بالذكر أن الطرق الحديثة في المسح الإلكتروني (Scanning) واستخدام الأقراص المكتنزة (CD-ROM) قد حلت إلى حد كبير محل المصغرات في عدد من مراكز المعلومات ومراكز البحوث والوثائق العربية والعالمية. (عامر عليان: مصادر المعلومات من عصر المخطوطات إلى عصر الإنترنت، دار الفكر، عمان، طـ1، 2000م، ص 74).
وتستخدم المصغرات الفيلمية في المكتبات ومراكز الأبحاث والمعلومات ومراكز التوثيق لحفظ وتخزين كميات هائلة من المعلومات المطبوعة وتحويلها إلى الشكل المصغر بهدف الاقتصاد في أماكن الحفظ، وسهولة تداولها وإرسالها من مكان إلى آخر، وإمكانية استنساخ أعداد كافية من المعلومات التي تمثلها، وغير ذلك من المميزات الإيجابية.
فمن الممكن أن نحول مصادر المعلومات المطبوعة إلى مصغرات فيلمية، بحيث تشتمل على الكتب النادرة والثمينة كالمخطوطات، التي تعد أحد مصادر المعلومات الأولية التي لا يمكن تعويضها، لذا فالحفاظ عليها أمر بالغ الأهمية. وتنبعث أهمية تخزينها على المصغرات الفيلمية لما كانت هذه المصادر موزعة ومتفرقة على المكتبات في مختلف أنحاء العالم؛ فكل مكتبة تعدها أثمن ما تملك ولا تسمح بتداوله؛ لذا جاءت البدائل المصغرة لتفتح الآفاق أمام الباحثين والدارسين للاطلاع ودراسة هذه المصادر التي تعكس تاريخ وتراث وفكر وحضارة الأمة على مر العصور. (محمد حريصي: المصغرات الفيلمية واستخداماتها في مراكز المعلومات، 2010م).
وتختزن المصغرات الفيلمية أيضًا الوثائق الرسمية ذات القيمة التاريخية: وهي مصادر معلومات أولية تمثل الأرشيف (archives) الذي يعد ذاكرة الأمم والشعوب ويعكس تاريخها السياسي والثقافي والاقتصادي والحضاري وبكل الموضوعات التي يمكن أن تؤرخ. وتتصف هذه المصادر أيضاً بالقيمة العلمية والتاريخية إضافة إلى ندرتها؛ وهي عادة تحفظ في المراكز الوطنية لحفظ الوثائق، ويصعب تداولها خوفاً من تلفها وضياعها، وقد حلت المصغرات هذه المشكلة لتكون المصدر البديل للشكل الورقي.
ومما يمكن تخزينه فيلميًا أيضًا مصادر البحث الأولية: كالرسائل الجامعية التي تمتاز بأنها نتاج فكري مبتكر وجديد وغير منشور أيضاً وصعب التداول لمحدودية نسخها؛ كذلك التقارير الفنية وبراءات الاختراع وبحوث المؤتمرات غير المنشورة.
ومنها: المطبوعات الحكومية: التي تتجدد باستمرار كأدلة الجامعات والمعاهد والمؤسسات الرسمية والأنظمة والقوانين والمعاهد الحكومية.
وبالاستطاعة تخزين الدوريات بأنواعها كالصحف؛ وهي نموذج لمصادر المعلومات المطبوعة التي تمتاز بغزارة إنتاجها (ظهورها اليومي المستمر) وضخامة حجمها مما شكل ولا يزال يشكل مشكلة تخزين كبيرة للمكتبات ومراكز التوثيق بالذات، إضافة إلى صعوبة التعامل معها (خاصة المجلدة) من قبل المستفيدين؛ ناهيك عن سرعة تلفها بسبب طبيعة ورق الصحف واصفراره وتمزقه بمرور الوقت.
وأيضًا المجلات العلمية والثقافية وغيرها: وهي لا تختلف عن مواصفات الصحف في غزارة الإنتاج والاستمرارية، ولكنها تختلف فقط في الحجم. لقد صار بإمكان المكتبات ومراكز التوثيق اقتناء الدوريات بشكلها المصغر فقط وتخلصت من مشكلات التجليد ومتابعة الأعداد الناقصة وتخصيص أماكن للحفظ والتخزين مع انتهاء قيمة المعلومات التي تحتويها الدوريات، خاصة العملية بعد مدة، وهذا ما يعرف بالتقادم.
وبالإضافة إلى ما سبق يمكن اختزان الخرائط بكافة أنواعها وموضوعاتها: وهي أيضاً من مصادر المعلومات المهمة جداً، وخلقت للمكتبات ومراكز التوثيق مشكلة مكانية وتخزينية لا يستهان بها بسبب كبر حجمها وصعوبة المحافظة عليها وتهيئتها للباحثين والدارسين بشكلها المطبوع. (محمد حريصي: المصغرات الفيلمية واستخداماتها في مراكز المعلومات، 2010م).
لقد ساعدت المصغرات فعلاً كوعاء بديل سواء في التخزين أو التداول أو الاسترجاع، لملفات القصاصات الصحفية والإعلامية: في مراكز المعلومات الصحفية، والملفات الإدارية الرسمية: أو ما يعرف بالأرشيف الجاري في الدوائر والمؤسسات الحكومية الرسمية وشبه الرسمية أو المؤسسات الأهلية الأخرى، وفهارس المكتبات: حيث صار بالإمكان تناقلها وتداولها، وخاصة الفهارس الموحدة من خلال تصويرها على مصغرات فيلمية.
وهكذا تحتل المكتبات الفيلمية والتلفزيونية قيمة توثيقية كبيرة يمكن استخدامها بدقة عالية في أروقة المراكز العلمية والبحثية لتثمين المحتوى المعرفي والثقافي بكل أشكاله وأنواعه.