في خضم التسارع الذي نشعر به وكأن «أبها» تتسابق فيه مع نفسها وتحاول التماثل للشفاء مما ألم بها من وعكة تنموية وسياحية منذ سنوات تسببت في تراجع عافيتها السياحية للوراء 100 عام في الوقت الذي كانت فيه في قمة زهوها شامخة بارتفاع أعلى قمة من جبالها ولكنها ما لبثت أن هوت لواد سحيق محطمة الأشلاء تنهش فيها الضواري والسباع فلم تبق منها إلا بعضها..
وما زالت «أبها» تقاوم ببعض من ملامح جمال رغم الإعياء الشديد الذي بدا واضحاً على ملامحها وفي كل مرة نتوقع أنها تماثلت للشفاء يتحدث لنا كل شبر فيها «بأنّة وونّة ووجع».. محاولة النهوض على ساقيها المرتضّة وبالكاد تقف منحية الظهر بدت عليها علامات الشيخوخة المبكرة...
قصة «أبها» لم تنته ففصول رواياتها طويلة أشبة بأساطير الإغريق المليئة بالقلاع والحصون فلا تخلو من حكايات «الحب والحرب» وتأخذك معها لتري إرث اليونان الثقافي والتراثي الذي يجمل طبيعتها وكأنها جنة محاطة بأشباح تطرد الأرواح الطاهرة التي تحاول دخلوها لتبعث الروح في تلك الأميرة الجميلة النائمة «في قصرها والمحاطة بالآلاف الحراس المدججين بالسلاح والعتاد ويحيطون أسوار وأبواب ونوافذ القصر بسلاسل من حديد خوفاً على أميرتهم النائمة المريضة» فلا هم أطلقوها ولا هم سمحوا لكل الفرسان الذين حاولوا منحها قبلة الحياة لتعود لشبابها وقوتها وجمالها..
هكذا هي أبها «في عيون عشاقها» مدينة الحب - مدينة الضباب - مدينة الطبيعة - مدينة الثراء الثقافي والموروث الشعبي - مدينة التاريخ العريق - مدينة الأدب والشعر -»
وما زلنا على أمل محاط بالوجل. هل ستعود. لما كانت - متى - وكيف? ومن المسؤول أمامنا عن ذلك وما هي الفرص المتاحة لها وما نسبة نجاحها وكم من الوقت تحتاج? وما هو دور هذا وذاك.. تساؤلات كثيرة تدور في عقلي وعقل كل أبناء وبنات منطقة عسير التي كانت الخيار الأول والأفضل كوجهه سياحية ومتنفس.
هذه التساؤلات الكثيرة طرحناها وطرحت على أكثر من جهة وأكثر من مسؤول ولم تجد جواباً وما زلنا نبحث عن إجابة لكل هذه الأسئلة وننتظر وعلى كل مسؤول في هذا الوطن أن يدرك أن تساؤلاتنا التي نطرحها كإعلاميين لا نأتي بها من فراغ فصوت المواطن الذي يتجاهله المسؤول ننقله له بشفافية وحيادية.. وفي كل مرة نتوجه بهذه التساؤلات لمن هم مخولون بالإجابة، بل من لديهم الإجابة بالفعل لا نصل لشيء والغريب أن كل جهة توكل مهمة الإجابة لمتحدثها الإعلامي الذي لا يتحدث وناطقها الذي لا ينطق فمنذ سنوات ومنذ أن استحدثت صفة المتحدث والناطق «ضاعت العلوم» وبهتت الصورة - وتلاشى الوضوح - وأصبح التعتيم الإعلامي صفة ملازمة للمتحدثين والناطقين الإعلاميين الصامتين لأغلب الجهات وكأن هذه الصفة «صفة لا يجني منها صاحبها غير - المركز الاجتماعي والمكانة الوظيفية والوجاهة - ولم نجن منه نحن غير الغموض والتشتت فالمتحدث الصامت يعيش في انعزاليته عن محيطه فلا هو قدم معلومة تقنع ولا برر تبريراً ينفع، بل إن بعضهم يتجاهل حتى الرد على اتصالات الإعلاميين ويكتفي بما يرسله عبر إيميله من تقارير وأخبار جامدة لا تتجاوز «الفعل» استقبل وودع بمثل ما استقبل به من حفاوة مرفقاً بالصور؟
لكل متحدث لا يتحدث وناطق لا ينطق في منطقة عسير عامة وفي عاصمة السياحة أبها خاصة «نحن في مرحلة» بحاجة فيها للوضوح والشفافية ووضعنا أمام صورة واضحة ووصف دقيق للمرحلة التي تمر بها «أبها ومنطقة عسير» في جميع مجالات التنمية البشرية والاقتصادية والسياحية، ومن حق المواطن الاطلاع على كل البرامج والإستراتيجيات وتقييمها وإبداء رأيه فيها وتقبل نقده فأبناء هذا الوطن هم أساس تنميته..
فنحن بحاجة لاجتماعات وملتقيات ومنتديات مفتوحة يدار فيها الحوار ويتاح فيها طرح الأسئلة لنسمع فيها إجابات وافية وشافية مضمنة بالتقارير والإحصاءات والدراسات لما تحتاجه المنطقة.
عزيزي المتحدث الذي لا يتحدث? أبناء وبنات هذا الوطن قادرون على استيعاب هذه المرحلة ومتطلباتها ومن حق المسؤول علينا الصبر ومنحه الوقت الذي يحتاجه للإنجاز وفي المقابل من حق المواطن أن يقيم ما يقدم له من خدمات بجميع أنواعها.
عزيزي المتحدث الذي لا يتحدث - أنت همزة وصل بين المواطن والمسؤول أو الجهة فلا تكن سبباً في قطع التواصل فالمسؤول منحك الثقة لنقل صورة واضحة عن الرأي العام سلبياً كان أو إيجابياً فدور المتحدث مهم وكبير جداً لأنه مرآة صادقة لعمل جهة بأكملها وعليه أن يكون قادراً على تحمّل وتقبّل النقد وأن يتصف بالصبر وقدرة التحمّل.
وبالنهاية أقول - إن المتحدث الذي لا يتحدث «يعطي انطباعاً سلبياً للمنشأة التي ينتمي لها» فالشخصية الواثقة غير المهزوزة لا تخشى مواجهة الإعلام والإعلاميين ولا تتحاشى الحديث في كل مكان وأي مكان ولا تتهرب من الإجابات حتى وإن كانت هذه الإجابات صادمة فهي مقبولة طالما أنها تحكي الواقع بدون رتوش وعليك أيها المتحدث الصامت أن تتصف بسرعة البديهة وحسن التصرف في الأزمات، وأن تكون قادراً على كسب علاقات جديدة كل يوم من خلال حسن التواصل ومهارة استخدام مفردات لغة الحوار ولغة الجسد.
أعتقد أن كل منشأة لو بحثت في مدى توافر هذه الصفات في متحدثيها وطبّقت هذه المعايير في اختيارهم فستعيد هذه المنشآت النظر في الاختيار من جديد لمن يمثّلها.