جاءَ أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يتقاضاهُ دَينًا كانَ عليْهِ فاشتدَّ عليْهِ حتَّى قالَ لَهُ أحرِّجُ عليْكَ إلَّا قضَيتَني فانتَهرَهُ أصحابُهُ وقالوا ويحَكَ تدري من تُكلِّمُ قالَ إنِّي أطلبُ حقِّي فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ هلَّا معَ صاحبِ الحقِّ كنتُم ثمَّ أرسلَ إلى خَولةَ بنتِ قيسٍ فقالَ لَها إن كانَ عندَكِ تمرٌ فأقرِضينا حتَّى يأتيَنا تمرُنا فنَقضِيَك فقالت نعَم بأبي أنتَ يا رسولَ اللَّهِ قالَ فأقرضَتْهُ فقضى الأعرابيَّ وأطعمَهُ فقالَ أوفيتَ أوفى اللَّهُ لَكَ فقالَ أولئِكَ خيارُ النَّاسِ إنَّهُ لا قُدِّست أمَّةٌ لا يأخذُ الضَّعيفُ فيها حقَّهُ غيرَ متَعتَعٍ.
خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ناهيهم عن نهر الأعرابي ووصفه أنه صاحب حق بيّن وأنهم لا بد أن يكونوا بصفه.
أعجب لمن يطالبون الناس عبر المنابر المختلفة أن تتنازل عن حقوقها؛ تعاطفاً مع الغير دون عذر شرعي, وكأنهم شركاء في المال أو أوصياء عليه.
في كل يوم وليلة ينتشر مقاطع ومقالات تطلب من المؤسسات والشركات طلبات غريبة. وينتابني شعور أن هؤلاء لا يفرِّقون بين العمل التجاري والعمل الخيري.
تجدهم تارة يريدون من البنوك أن تسقط القروض والمديونيات وكأنهم يخاطبون جمعية خيرية. وتجدهم تارة أخرى يريدون من المطاعم أن تخفض أسعارها جزافاً، وهم لا يعرفون شيئاً عن تكاليف الإنتاج وهامش الربح.
وتجدهم يطالبون بالتوظيف وعدم فصل الموظفين، وتجريم من يفعل ذلك بغض النظر عن تكلفة الموظف على صاحب العمل، وبغض النظر عن قدرة المنشأة المالية على التوظيف وحاجتها للموظفين.
كل تاجر يعرف جيداً كيف يحسب تكاليفه، ويعرف هامش ربحه ومدة استرداد رأس ماله، وليس بحاجة إلى من لم يمارس التجارة قط؛ ليرشده كيف يصنع وكيف يضع أسعاره وهل هو بحاجة لموظفين أم لا.
دائماً نسمع لومًا على المؤسسات أنها سبب البطالة، وأنها لا توظف أحداً، وأنها لا تخدم البلد وهكذا, بينما تجد على سبيل المثال موظفًا في بنك ما ثم بعد فترة وجيزة تجده تمت ترقيته لوظيفة أعلى. ثم بعد ذلك تجده أصبح مديراً للفرع، ثم بعد عدة شهور تجد أنه تم استقطابه براتب أعلى في بنك آخر، وقد يصبح مديراً إقليمياً له، وقس على ذلك, فالموظف الناجح تأتيه عروض من كل حدب وصوب. بينما الشخص الخامل لا يجد من يوظّفه. فهي ترجع بالدرجة الأولى لقدرات الشخص نفسه والتوظيف أمر اختياري من صاحب العمل. ويتم حسب حاجة ومصلحة العمل وليس من العقل إجباره على توظيف أشخاص ليس بحاجتهم أو لا يستطيع أن يتحمّل نفقاتهم.
هذه الشركات التي تتعرض للوم ومطالبات بالتنازل عن حقوقها وتخفيض أسعارها، وما إلى ذلك هي عبارة عن حقوق أناس حصلوا عليها من حُرِّ مالهم وجهودهم، وتعبوا في إنشائها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، فهي ليست صدقات أو أموال سبيل. فلا يحق لأحد أن يتعامل معها إلا بحقها ولا يبخس الناس أشياءهم.