«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
تعلمنا ونحن على مقاعد الدراسة في المرحلة الابتدائية القيم العظيمة لشهر رمضان المبارك. كنا تلاميذ صغارا لكننا كنا نستوعب ما ندرسه أيامها بصورة مدهشة. ومازلت أذكر صلاة الظهر جماعة في شهر رمضان في ساحة المدرسة الثانية «بيت داود» وكانت تعود لأحد أعيان مدينه المبرز. وفي عصر كل يوم من الشهر الكريم كنا نحرص على حضور أحاديث فضيلة الشيخ «عبدالرحمن المبارك» والتي كان يلقيها عصر كل يوم في مسجد طاهر بحي السياسب. ومن خلال هذه الأحاديث تعلمنا الكثير من الأحاديث والمعلومات العظيمة التي يحملها الشهر من ضمن ما يحمل من معان سامية ومباركة جميعها لها الأثر الحميد الذي يوحي إلينا بمعاني التعاون والوحدة والإخاء بين الناس ويحفزنا على العطاء والسخاء. وحتى عدم الكسل. وكان الشيخ الجليل رحمه الله وبصوته الأبوي الحنون كان يزرع في نفوسنا جميعا كبارا أو فتيانا أو حتى أطفالا إضافة إلى النساء اللواتي كن يحرصن على حضور أحاديثه الرمضانية في جانب من المسجد. كل ما يعزز الخير والاهتمام بالصلاة وشيئا من تاريخ الإسلام الناصع البياض.. فلاغرو إذا اقترن رمضان في مختلف القرون والعهود بعمل متواصل نحو تحقيق الأهداف الإسلامية والإنسانية الكاملة وتدعيم نوازع الخير داخل نفوس كل إنسان مسلم... وفي رمضان من السنة الرابعة للهجرة تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين السيدة زينب بنت خزيمة بن الحارث والتي لقبت بأم المساكين وكان لرمضان بركة كبرى ففيه تم فتح مكة وذلك في السنة الثامنة فحررها رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام من أيدي أعداء الإسلام «قريش» عندما نقضوا الميثاق وعهد الحديبية الذي كان قائما بينهم وبين الرسول وقد كان لهذا الفتح أثره في توحيد القبائل العربية وبداية عهد جديد من عهود الدولة الإسلامية قال تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}.
وفي رمضان من السنة التاسعة للهجرة كانت غزوة تبوك. وفي التاسعة جاءت وفود قبيلة ثقيف تبايع الرسول وتعلن دخولها في الإسلام. ولم تتوقف الانتصارات والفتوحات الإسلامية في رمضان. وقد أثبتت الأحداث إن هذا الشهر كان دوما شهر جهاد.وتتواصل الإنجازات الإسلامية ففي الشهر الكريم عام 641م فتح العرب جزيرة رودس وبدؤوا بهذا صفحة جديدة من تاريخهم البحري تواصل وتطور حتى استطاعوا فتح الأندلس وقد بدأ هذا الفتح المهم عندما أرسل موسى بن نصير قوة من فرسان العرب بقيادة طريف لارتياد الشاطئ الجنوبي للأندلس فعبروا البحر وغزوا الثغور وكانت هذه مقدمة الفتح الذي قام به العرب في العام التالي عندما قاد طارق بن زياد جيشا من مقاتل لينزل في جبل طارق ويقابل جيش الملك رودريك في رمضان ويهزمه.. ويبقى السؤال : هل أحرق طارق بن زياد سفنه أم لا؟
إن المؤرخين يشككون في هذه الواقعة ولكن الأمر المؤكد هو أن فتح الأندلس كان باهرا. وأحداث كثيرة شهدها هذا الشهر المبارك وتاريخ الإسلام حافل بإنجازات عديدة أنجزت وتحققت خلال رمضان الفضيل.. ولا يمكن أن ينسى المؤرخ أو الدارس للتاريخ ما تحقق في رمضان عام 584هـ 1188م عندما انتصر صلاح الدين الأيوبي عندما حرر قلعة (صفد) بفلسطين وجاء هذا النصر تتويجا للعرب والمسلمين.. والحديث يطول ويطول عما حمله في جعبته هذا الشهر العظيم من الإنجازات في عالمنا الإسلامي ومنذ البداية حتى اليوم. وكتابة كل ذلك يحتاج لمئات الكتب. لا إطلالة محدودة المساحة.