د. محمد بن إبراهيم الملحم
أشرت سابقًا إلى ظواهر في حفلات التخرج تكرّس الطبقية الاجتماعية في الحفلات التعليمية، وأتناول اليوم مشكلة أخرى هي استغلال الطلاب والأطفال في الحفلات التعليمية خاصة المتعلقة بتكريم المتفوقين أو المتميزين سواء كانوا متميزين أكاديميًا أو في الأنشطة الطلابية أو أي مجال آخر حيث يتحول التكريم أحيانًا إلى إهانة! وكم قاسى أولياء الأمور وأبناؤهم الطلاب وبناتهم الطالبات من بعض هذه الحفلات، ويشمل ذلك كل مستويات الحفلات وفي كل المؤسسات التعليمية (مدارس، جامعات، على مستوى إدارة التعليم، أو على مستوى الوزارة) سوء التنظيم هو لازمة من لوازم أغلب الحفلات واستعراض مظاهره يطول وكثير منا يلمسها أحيانًا فأغلبها معروف مشهور ينبغي لنا تحمله من باب التعاون.. لكن أشد منه هو «استغلال» الأطفال والطلاب وامتهانهم، وذلك يأخذ أشكالاً متنوعة من سوء التدبير وصفاقة الرأي ولكن أبسطها عندما يطلب منهم أن يحضروا قبل الحفلة بساعات عديدة بينما بعض المعلمين أو المشرفين على الحفل يتأخرون ثم يأتي التدريب غير المتقن والتعليمات السريعة ليظهر الطلاب في هيئة متواضعة لا تليق بهم كمتفوقين. وفوق ذلك، وعندما نتحدث عن طلاب صغار (الابتدائية أو المتوسطة) فكم رأينا هذا الانتظار (لساعات) خاليًا من أي قيمة مضافة أو حتى أساسية أحيانًا مثل تزويدهم بوجبة خفيفة تسد جوعهم!
وأشد ما يؤلمك عندما يكون ذلك لتكريم متفوقين حازوا مراكز متقدمة (محليًا أو دوليًا) وهم من ينبغي أن يكونوا على أكف الراحة! لكن ما الهدف في الواقع هو أن الحفل ذاته لا التكريم، حيث «يترزز» المدير أو المسؤول العظيم مفتخرًا أمام الإعلام بإنجاز هؤلاء المساكين الذين حشرهم منتظرين معاليه أو سعادته ولا تسل عن إلقاء الكلمات الطويلة التي تمل الطلاب المتفوقين وغالبًا تجدهم واقفين بالخارج انتظارًا لفقرتهم في الدخول (أو ربما جعلوهم يدخلون القاعة ويقفون على منصة المسرح طوال تلك المدة في استعراض سامج لا داعٍ له) وبعد أن ينهي المسؤول المبدع كلمته تتلوه كلمات أخرى لا تقل مللاً عن سابقتها ثم فقرات لتلميع المؤسسة التعليمية ومنسوبيها العظماء، صورة تتكرر في كل المؤسسات التعليمية حيث المتحدثون مدير المدرسة أو عميد الكلية أو مدير الجامعة أو وكيل الوزارة أو غيرهم.
أما عندما يتطلب «التكريم» سفر الطلاب (أو بصحبة ذويهم إن كانوا صغارًا) فلا تسل عن الكثير من التفاصيل التي يهملها المنظمون تاركي أمرها للطالب (أو المرافق له) ليتدبر فيها أمره و»يمشي حاله» فهناك الإبلاغ المتأخر عن موعد الحفل وعليك أن تسرع في حجز تذكرة السفر، أخطاء في تحديد مكان الحفل في المدينة (أو الدولة) الأخرى أو عدم توفير معلومات كافية عنه تؤخر وصول «المحتفي بهم»، عدم استقبال في المطار، عدم تنظيم حجز سكن، عدم ترتيب وسيلة نقل جيدة من الفندق، عدم توفر أرقام اتصال بالمسؤول عن التنسيق أو أن رقمه لا يرد، إلى آخره من «المطبات» الكثيرة التي عاشها كثيرون ممن ساقهم الحظ إلى أن يكونوا «متفوقين» أو «مبدعين» ليدعوا إلى حفلات تكريم من هذا النمط.
أي تكريم هذا وأي احتفاء هذا!
المؤلم أنك تملك أحيانًا معلومات حول سبب تفوق بعض هؤلاء الطلاب وبراعتهم حتى حازوا تلك الميداليات أو الجوائز الدولية أو الإقليمية أو المحلية فمعلوماتك تقول إنه نتاج جهد الطلاب أنفسهم فقط وربما دعم ذويهم وأنت تعلم في نفس الوقت أن ما هو مشتهر عن مستوى المؤسسة التعليمي أو الأكاديمي لا يرقى لإنتاج أمثال هؤلاء الطلاب! ولكن للحظ دوره أن تصادف وجودهم فيها فتجني المؤسسة حصاد هؤلاء المساكين و»تترزز» بهم حتى على حساب راحتهم وصحتهم النفسية... فأي استغلال أبشع من ذلك؟