فضل بن سعد البوعينين
تصنف الفدى المالية؛ المدفوعة للمنظمات الإرهابية مقابل إطلاق سراح المختطفين؛ ضمن عمليات «دعم وتمويل الإرهاب»؛ وعلى الرغم من الجانب الإنساني الذي قد يعتقده البعض في عمليات إطلاق سراح المختطفين؛ إلا أن إغلاق ذلك الباب جاء لتحقيق هدف قطع شبهات تمويل الإرهاب المستترة التي قد تستغل لتجاوز الأنظمة والقوانين. لذا تنأى الحكومات بنفسها عن الانغماس في مثل تلك الأعمال المشبوهة ولو أدى الأمر إلى تصفية المختطفين.
جبهة النصرة والحشد الشعبي من التنظيمات الإرهابية التي استغلت عمليات الخطف كجسر للحصول على أموال طائلة تمكنها من ممارسة أعمالها القذرة على أرض الواقع. حيث وفرت عمليات الخطف قناة تمويل رئيسة لها؛ وغطاء مستترًا لإيصال التمويل القذر واستدامته. لعبت قطر دورًا محوريًا في التفاوض مع جبهة النصرة؛ فرع القاعدة في سوريا؛ وحملها على إطلاق سراح مختطفيها مقابل فدية تدفعها للتنظيم. بدأ ذلك في عام 2014 عندما أفرجت جبهة النصرة عن الصحافي الأمريكي «ثيو كيرتيس» مقابل 30 مليون دولار. ثم توالى الأمر مع خطف الراهبات؛ وأعضاء من منظمة أطباء بلا حدود وجنود الأمم المتحدة ثم 16 جنديًا لبنانيًا.
وفي جميع الحالات السابقة كانت قطر الجهة المفاوضة للتنظيم والدافعة للفدى المطلوبة؛ والمنسقة مع بعض الدول لتحقيق شروط الإرهابيين الإضافية ومنها إطلاق سراح سجناء موالين لهم ومحكومين بأحكام قضائية في سجون تلك الدول.
وفي العراق استغل الحشد الشعبي الذي يدار استخباراتيًا من إيران؛ آلية التمويل المستحدثة للحصول على المال اللازم؛ بعد أن اختطف مجموعة من القطريين الحاصلين على الإذن الرسمي بالصيد في العراق. نجح التنظيم في ترتيب صفقة تمويل استثنائية بلغت 500 مليون دولار نقدًا وضعت في 23 حقيبة تم شحنها في الطائرة المقلة للوفد القطري المغادر للعراق. يبدو أن ضعف الترتيبات وتنوع مراكز القوى وتعارض المصالح تسبب في كشف الصفقة قبل إتمامها؛ ما حمل الحكومة العراقية على التبرء منها رسميًا؛ ووضع اليد عليها بسبب دخولها البلاد بطريقة غير مشروعة، استنادًا لقانون «محاربة الابتزاز المالي وظاهرة الاختطاف».
مصادر عراقية أشارت إلى أن أموال الفدية قد وصلت بالفعل إلى وجهتها الرئيسة «الحشد الشعبي» من خلال الحكومة العراقية الحاضنة لتنظيم الحشد الإرهابي.
تمويل الإرهاب بالحقائب الدولارية لم يقتصر على التنظيمات بل وصل قيادات حزبية في الخليج؛ وبخاصة السعودية؛ التي تضررت من بعض الدعاة والمفكرين فيها؛ والذين سيطر المال القطري على توجهاتهم فأصبحوا أداة تدار وفق مخططات إستراتيجية تهدف إلى تقويض أمن المملكة؛ وزعزعة استقرارها بهدف تقسيمها مستقبلاً. منذ عام 1995 وقطر مستمرة في تمويل ودعم الإرهاب الموجه ضد المملكة والبحرين على وجه الخصوص. حيث توزع الدعم على ثلاثة محاور رئيسة؛ التمويل؛ والإعلام؛ والاحتضان لقادة الفكر الإرهابي الذين كانوا سببًا فيما حدث من دمار في المنطقة.
وجد قادة الفكر الإرهابي الملجأ الأمن الذي يوفر لهم منصة إعلامية متكاملة؛ وتمويل سخي؛ ودعمًا لوجستيًا استخباراتيًا غير مسبوق. حظي تنظيم القاعدة بأكبر رعاية إعلامية من قناة الجزيرة التي كانت تنقل على الهواء مباشرة عملياتهم الإجرامية في المملكة؛ وتسبغ عليهم ألقاب المشيخة؛ وتحرض الشارع السعودي لمناصرته ومعاداة حكومته. استمر الأمر مع التنظيمات الإرهابية الأخرى؛ وإن أخذ منحى التقية في كثير من جوانبه. وحظي الحزبيون بتمويل استثنائي وحسابات مصرفية في البنوك القطرية وتركيا إضافة إلى عقارات متنوعة سجلت بأسمائهم وما زالت حتى اليوم. لا يمكن الفصل بين الإرهاب الذي تعرضت له المملكة خلال العقدين الماضيين وبين الدعم القطري لمنظومة الإرهاب التكفيري. قد يعترض البعض على المعلومات الموثقة؛ إلا أن اعتراضهم يجب أن يتوقف بمجرد الاستماع إلى تسريبات التسجيلات الصوتية للقيادات القطرية التي كانت تخطط في الخفاء لزعزعة أمن السعودية من خلال استغلال الأموال القذرة لاستمالة أو تجنيد السعوديين لتنفيذ المخططات القطرية المشؤومة.
فرضت المتغيرات السياسية العالمية واقعًا مختلفًا في التعامل مع عمليات دعم وتمويل الإرهاب؛ المالية والإعلامية والاستخباراتية واللوجستية؛ وأصبحت ملفات التمويل هدفًا للدول والمنظمات الدولية؛ ما فتح الباب على مصراعية لتفكيك منظومة تمويل الإرهاب في المنطقة؛ والخليج على وجه الخصوص. قضايا تمويل الإرهاب من القضايا الدولية المعقدة والخطرة؛ وأحسب أن القادم من الأيام سيكشف عن تفاصيل بشعة؛ وخطوات جريئة لمعاقبة جميع المنخرطين فيها. وصدق الله القائل: «ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين».