هاني سالم مسهور
خلال العامين والنصف الماضيين استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- مائة وثلاثين زعيماً حول العالم، لقاءات متواصلة منذ أن تولى الحكم، ودبلوماسية متواصلة هدفت لامتصاص تأثيرات التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية العربية، كما أن معالجة ما خلفه ما يسمى الربيع العربي تحملته السعودية وتعاملت مع هذه التأثيرات بمواقف ثابتة لم تزعزعها حتى التراجع في أسعار النفط، هذه المسؤولية التي تحملتها الرياض كان يجب أن تعيد العلاقة السياسية الأهم مع الولايات المتحدة بعد حقبة الرئيس باراك أوباما الذي عمل على انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط تاركاً فجوة من الصعوبة بمكان إغلاقها.
في العام 1945م أسس المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز آل سعود مع الرئيس الأمريكي روزفلت العلاقة السعودية الأمريكية وبعد ثمانية عقود يعود الملك سلمان والرئيس دونالد ترامب إلى بث الروح في تلك العلاقة، ما تم التوقيع عليه في الرياض يتجاوز ما كان منتظراً، فالسعوديون والأمريكيون باتوا يتحدثون عن علاقة إستراتيجية طويلة المدى تتعلق بالشرق الأوسط سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، هذه العلاقة في نظرتها الشمولية تثبت مُجدداً أن الولايات المتحدة تدرك بمصداقية الحليف السعودي ومدى ما يستطيع أن يقدمه من خلال قوته السياسية والدينية والعسكرية.
كتب رجل الدبلوماسية السابق دينس روس (على الإدارة الأمريكية إنجاح برنامج رؤية السعودية 2030 لأن المنطقة في حاجة لنموذج ناجح في التنمية والحداثة) بُعد عميق لمدى ما يجب أن تبحث عنه الولايات المتحدة في السعودية دعم البرامج الواعدة الهادفة لانتقال المجتمع السعودي للاعتماد على موارد مختلفة غير النفط يجب أن تضع لها الولايات المتحدة خالص جهودها، فالمنطقة العربية التي تعاني سوء الإدارة وتدني الشفافية وانعدام الحوكمة، إضافة إلى الاستبداد السياسي وغياب الحكم الرشيد وتفشي البطالة وارتفاع معدلات الفقر والأمية تحتاج إلى هذا النمط من التغيير.
التحدي الأول للإستراتيجية السعودية الأمريكية تكمن أولاً في التعاطي مع ملف الإرهاب والتطرف، فلقد عانى الشرق الأوسط من أزمة الإرهاب وتحولت الأزمة إلى أبعاد مختلفة تتعلق باللاجئين، فالأزمة السورية والعراقية أفرزت في السنوات الثلاث الأخيرة إشكاليات كبيرة لن يتم معالجتها بغير معالجة أسبابها الحقيقية التي تتمثل في إرهاب داعش وتفشي المليشيات المرتبطة بالنظام الإيراني. لذلك فإن العودة إلى جذور العلاقة السعودية الأمريكية التي كانت أساساً قوياً نجح خلال منتصف القرن العشرين الماضي من تجاوز السعودية لأزمات مشابهة عندما تصاعد المد القومي العربي آنذاك، وهي حالة مقاربة للحالة الراهنة من نواحي الاستهداف للمركز الديني للإسلام الذي تذود عنه السعودية وتسخر له كافة إمكانياتها، هذه المقاربة تعني أن مزيداً من تنمية العلاقات بين الرياض وواشنطن سيعني بشكل مؤكد لقدرة الشرق الأوسط كاملاً للخروج من أزماته الراهنة لمساحة أرحب يحل فيها الأمن والاستقرار.